عودة إلى أهداف طموحة

العلم مقابل الخيال


بقلم: جونا كوهين


نُشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية تحت عنوان Science Versus Fiction في عدد سبتمبر-أكتوبر 2019 من مجلة «دايمنشنز» Dimensions التي تصدرها جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC. قامت رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط NAMES بترجمة المقال ونشره باللغة العربية بتصريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ومن المؤلف/المؤلفين، وتتحمل NAMES مسئولية هذه الترجمة.

لا يجوز إعادة إنتاج هذا المحتوى، سواء بالإنجليزية أو العربية، بأي شكل من الأشكال، دون إذن كتابي صريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC.


كان عام 1969 عامًا بالغ الأهمية فيما يتعلق بالعلم؛ حيث افتُتِح كل من الإكسبلوراتوريوم ومركز أونتاريو العلمي، كما حققت مهمة أبولو11 قفزة عملاقة للبشرية. والآن، تطلب جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا (ASTC) من مراكز العلوم أن تفكر فيما ستكون عليه مشروعاتنا الخلاقة القادمة، وما القفزات الهائلة التي سنحققها لتبقى ذكراها خالدة لنصف قرن.

«أرى القرن العشرين بمثابة سباقًا بين التنوير والانقراض. ففي أحد المسارات لدينا فرسان نهاية العالم الأربعة...»
«وفي المسار الآخر؟»
«سلاح الفرسان السابع.»
—سلسلة الكتب المصورة «المراقبون» بقلم آلان مور، 1986.

إن التنبؤ بالمستقبل، حتى لو عرفنا أهدافنا، غير مضمون النتائج. عندما كنت بالمدرسة الإبتدائية، كان من المتوقع أن تتضمن المكالمات الهاتفية بالمستقبل الفيديو إلى جانب الصوت (صحيح!)، وأن الولايات المتحدة الأمريكية  ستتبنى قريبًا النظام المتري (خطأ)، وأن السيارات الطائرة آتية (للأسف، خطأ). وإن نظرنا إلى الأمام من عام 2019، فمن السهل أن نرى كيف يمكن للأشياء أن تذهب في اتجاهات مختلفة جدًَّا.

«لم يعد يبقى مكان نذهب إليه. لا يوجد مكان — سوى الواحة (أنطولوجيا المحاكاة الحسية الغامرة).»
—فيلم Ready Player One أو «لاعب رقم واحد المستعد»، من إخراج ستيفن سبيلبيرج، 2018

هناك التفاصيل الرئيسية التي ستؤثر في مراكزنا العلمية: هل ستتطور الطباعة ثلاثية الأبعاد لدرجة تمكننا من تصميم برامجنا لتتناسب مع كل فرد؟ هل ستُحدث السيارات ذاتية القيادة ثورة في التواصل أم أننا سنظل عالقين في الاختناقات المرورية؟ هل سيؤدي التقدم في الطب أو التفاوتات في الرعاية الصحية إلى تغيير التركيبة السكانية للمجتمع – إلى الأفضل أو الأسوأ – ما يجبرنا على التكيف؟ ربما سنواجه تغييرًا أساسيًّا أكثر في كيفية تعلم العلوم واختبارها.

ربما في المستقبل ستفتح التجارب الحقيقية مجالًا أمام التجارب الافتراضية، ما يسمح للناس بتجربة أشياء لا يمكنهم تجربتها في العالم الحقيقي؛ ربما سيتمكنون من اختيار أي من التجارب والموضوعات التي يريدونها، والتواصل مع من يريدون – كل ذلك دون أن تطأ أقدامهم مراكزنا العلمية.

أو ربما أن بعض الأشياء – ببساطة – خالدة أو متأصلة بعمق في الطبيعة البشرية بحيث لا تفقد جاذبيتها، بما في ذلك الرغبة في الأشياء الحقيقية التي يمكننا لمسها.  وربما مع تضاؤل قيمة محتويات الطبيعة والحياة الحقيقية، سيكون نهجنا أكثر أهمية.

«نحن بحاجة لأن ننزعج حقًّا من حين إلى آخر. كم مرَّ من الوقت منذ آخر مرة شعرت بالانزعاج حقًّا؟ حيال أمر مهم، حيال أمر حقيقي؟»
—رواية «فهرنهايت 451» بقلم راي برادبري، 1953.

بالطبع، تفترض هذه الأسئلة أننا سنصل إلى هذا الحد في المستقبل. فلكي يكون أي من ذلك مهمًّا، سيتعين على البشرية أن تتعامل مع التحديات المتشابكة بشدة مع العلم، مثل تغير المناخ وإدارة الموارد. ربما هذه هي أهدافنا، ليس فقط لمراكز العلوم، ولكن للمجتمع ككل؛ وربما يكون النجاح في متناول أيدينا. فمقارنة بمهمة إرسال رجل إلى القمر قبل 50 عامًا، لدينا اليوم معرفة علمية أكبر وتكنولوجيا أكثر تطورًا لمساعدتنا. ولحل المشكلات العالمية، لا يتعين علينا الاعتماد على وكالة حكومية واحدة من بلد واحد؛ فلدينا الذكاء والجهود الجماعية للكوكب كله.

 إلا أن هناك أشياء أخرى تشير إلى أن الفشل ليس خيارًا فحسب، بل ومحتمل أيضًا؛ فعلى عكس برنامج أبولو، فإن تحديات نصف القرن المقبل  ليس لها هدف واحد صريح، ولا معيار محدد للنجاح. وبينما خاطر رواد فضاء ناسا بحياتهم، وفي بعض الأحيان فقدوها، لم يكن على الغالبية العظمى من الأمريكيين المخاطرة بأي شيء في رحلة الوصول إلى القمر. ولكن مكافحة تغير المناخ سوف تكون مسألة مختلفة للغاية؛ فستطلب من أعداد أكبر بكثير من الناس تقديم التضحيات والخيارات الصعبة. هل هذا شيء لدينا الإرادة الجماعية لعمله؟

«لديهم سياسة واحدة فقط: انكار كل شيء.»
—مسلسل «الملفات المجهولة»، قصة «الصعود»، 2004.

هناك داعي للتشاؤم، لأنه في الوقت الذي فيه حاجة ماسة إلى العلم للمساعدة في مواجهة أعظم التحديات التي يواجهها المجتمع، فإن موجة من التفكير غير العلمي تجتاح العالم؛ وكأن أسوأ كوابيس كارل ساغان قد تحققت.

إن كل ما نحتاجه لتحقيق شيء ما هو حجة من السلطة؛ هذا إذا كنا نحب السلطة. (وإذا كنا لا نحبها، تصبح جميع الهجمات الشخصية مشروعة، وتعد دليلًا على صوابنا). فأصبح اللجوء إلى الجهل (عندما لا يكون لدينا دليل داعم ولكننا نريد أن يكون الشيء صحيحًا، لذلك سنفترض أنه كذلك) عملية إجرائية معتادة. انتقاء الملاحظات؟ بل أكثر من هذا. (الدليل ضدك؟ انكر أنه حقيقة... في الواقع، ربما هو جزء من مؤامرة من الأكاذيب ضدك)! مرحبًا بكم في مجتمع ما بعد الحقيقة.

ربما تكون محاربة الجهل والاستبداد هي أعظم أهدافنا. فابتكرنا بالفعل طرقًا ليس لإلقاء الضوء على المحتوى والمعرفة الجماعية بالعلم فحسب، بل أيضًا للسماح للناس بتجربة العملية التي تصل إلى تلك الغايات. والآن، ربما يجب علينا أن نضاعف جهودنا وأن ننقب في أعمق مخزوننا الإبداعي؛ لنعثر على طرق جديدة وأفضل للمشاركة في العملية العلمية، ولإظهار كيفية فصل الحقيقة عن الخيال. وفي حين أن الاعتراف بخطأ أفكارك يعد أعظم علامات الضعف والفشل الأخلاقي في مجالات عدية، فإنه جزء من العملية في العلم.

فربما يمكننا تحقيق هذا الهدف من خلال ما يبدو مستحيلًا: جمع الناس معًا. في المؤتمر السنوي لجمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا 2018، تحدث عديدون بحماس وبلاغة عن أهمية توسيع نطاق جمهورنا، والتأكد من عدم بقاء المحرومين علميًّا على حالهم. سيشكل وضع هذه الأفكار قيد التنفيذ تحديًّا، ولكن الجهد نفسه يمكن أن يبني قوتنا وعزمنا، وتوليد الأفكار ومشاركتها، وتحفيزنا نحو أهدافنا المشتركة.

هناك أسباب عديدة لتوسيع المشاركة، وكل منها على حدة سببًا كافيًا. فيجب فعل ذلك لأنه الشيء الصحيح الذي يجب عمله؛ وينبغي فعل ذلك لأنه يفيد أولئك الذين سيستبعدون ظلمًا؛ ويجب فعل ذلك لأنه يفيد العلم (ومراكز العلوم)، ويسمح لمجموعة أكبر بكثير من الناس بإضافة عقولهم وجهودهم ووجهات نظرهم؛ وربما... فقط ربما... سيسمح لنا جعل العلم خيمة كبيرة حقًّا بالمساعدة ولو بنذر قليل على دحض فكرة أن أولئك الذين ليسوا في قبيلتنا هم «العدو». ربما يمكننا المساعدة في مواجهة تحديات نصف القرن القادم من خلال بذل قصارى جهدنا لتعزيز موقف شخصية الدكتور هاري سيلدون االخيالية لإسحاق آسيموف:

«دكتور سيلدون، إنك تعكر صفو سلام مملكة الإمبراطور. لن تتمكن أي من الكوادريليونات التي تعيش الآن بين جميع نجوم المجرة من البقاء على قيد الحياة بعد قرن من الآن. لماذا إذًا نقلق أنفسنا بأحداث تبعد ثلاثة قرون من الآن؟»
«لن أكون على قيد الحياة بعد نصف عقد من الآن... ومع ذلك، فإنه مصدر قلق بالغ بالنسبة لي. سمِّها مثالية. سمِّها تماهيًّا مع هذا التعميم الصوفي الذي نشير إليه بمصطلح الإنسانية.»
–سلسلة كتب «الأساس»، بقلم إسحاق أسيموف، 1951.

سيخبرنا الوقت إن كنا نجحنا أو فشلنا؛ فدعونا نأمل أن يكون الأول، لأنه كما قال هوبز (النمر وليس الفيلسوف): «مشكلة المستقبل هي أنه يستمر في التحول إلى الحاضر».


جونا كوهين (jcohen@mcwane.org)، أخصائي التعليم في مركز ماكواين العلمي في بيرمينجهام، ألاباما.