عودة إلى قوة الصغر

أفكار أمازونية بميزانية صغيرة


بقلم: ريناتا موريتي وإنيو كاندوتي


نُشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية تحت عنوان Amazonian Ideas on a Small Budget في عدد مارس-أبريل 2019 من مجلة «دايمنشنز» Dimensions التي تصدرها جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC. قامت رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط NAMES بترجمة المقال ونشره باللغة العربية بتصريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ومن المؤلف/المؤلفين، وتتحمل NAMES مسئولية هذه الترجمة.

لا يجوز إعادة إنتاج هذا المحتوى، سواء بالإنجليزية أو العربية، بأي شكل من الأشكال، دون إذن كتابي صريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC.


أتت فكرة إنشاء متحف في أعظم غابات الأرض، غابات الأمازون المطيرة، ببعض الأسئلة: كيف يمكن أن يشارك الزائرون حقًّا في الاستكشاف، وأن يجعلوا الزيارة خاصة بهم، وأن يحظوا بتجربة نوعية وفريدة تُغيِّر مسار حياتهم؟ يستقبل متحف الأمازون بميزانية سنوية تقدر بنحو 600.000 دولار ما يقرب من 40.000 زائر سنويًّا؛ وهذا الرقم قد تزايد زيادة مطردة منذ

افتتاح المتحف في 2011. كيف نخدم كثيرين بهذه الميزانية الصغيرة؟ إن متحفنا غابة مطيرة في حدِّ ذاته؛  كما ننفق مبالغ قليلة نسبيًّا على المرافق، وتصميم المعارض، والصيانة. فتكمن قوتنا فيما تثبته الحيوانات والنباتات للزائرين، وهو الغابات المطيرة ليست مهمة فقط بالنسبة إلى الأنواع المتعددة التي تعيش هنا، ولكن أيضًا بالنسبة إلى مناخ العالم ودورة المياه.

والبيئة الطبيعية للغابات المطيرة مثل الفسيفساء؛ إذ تشكلت على مر آلاف ملايين السنين، ولا تزال تتشكل أحيانًا أمام أعيننا مباشرة. في هذه المسرحية المرتجلة والعفوية، يُظهر الممثلون – النمل والضفادع وأشجار النخيل والفطريات وحشرات الزيز – مشاهد مذهلة ومختلفة، واحد تلو الآخر. فهي قادرة على جذب انتباهنا وإثارة إعجابنا دون أدنى جهد.

 

في اتجاه عقارب الساعة من الأعلى: ببغاوات المكاو ذات اللونين الأحمر والأخضر (آرا كلوروبتروس). تصوير: أنسيلمو دافونسيكا.
الفطريات (الفطر الأبيض أو فطر الثلج). تصوير: فانيسا جاما. الضفدع (هيلا جرانوزا). تصوير: فانيسا جاما.

 

انصت إلى الغابة

هذا متحف مختلف: يدخل الزائرون إلى بيئة حيوية وديناميكية؛ حيث توجد أمور كثيرة تستحق المشاهدة والاختبار، ويمكن للزائرين تحديد ما يريدون التركيز عليه. متحف الأمازون يسلط الضوء على شخصيات الغابة، ويضبط أجهزة الصوت ليتمكن الجمهور من سماع صوت الغابة وفهم رسالتها. بالإضافة إلى الاستماع والملاحظة، يمكن للزوار المشاركة في القصص وتحليل تاريخ البشرية نفسها.

هذا هدف لمتحف الأمازون: تقديم عرض تتجلى فيه غابات الأمازون المطيرة. يقع المتحف على أحد جوانب محمية دوك، وهي مساحة تبلغ 39 ميلًا مربعًا (100 كيلومتر مربع) من الغابات البكر في ماناوس وأمازوناس بالبرازيل، ويشغل المتحف مساحة 0.4 ميل مربع (كيلومتر مربع) من الغابة. يشمل متحف الأمازون مرافق عدة لجذب الزائرين، وهي: المعارض، وأحواض الأسماك، وبيت الفراشات، ومختبر الآثار لكشف أسرار الثقافات الأمازونية القديمة التي لا تزال قائمة في الغابة أيضًا.

 

يتمكن زائرو معرض المانيوك من مشاهدة التحول المعقد لجذور المانيوك السامة إلى طعام. تصوير: خوان جابريل سولير.

في معرض «الأسماك والناس» التابع لمتحف الأمازون، تلتقط هذه المصيدة الأصلية، التي تعرف باسم «جيكي»، أسماكًا تسبح في شلالات كارورو.
تصوير: خوان جابريل سولير.

بيت الفرن عند مدخل أتوراس • مانديوكاس • معرض بيجوس. تصوير: خوان جابريل سولير.


تعرف على المجتمعات التقليدية

يروي لنا متحف الأمازون أيضًا قصصًا عن حياة المجتمعات التقليدية؛ بما في ذلك كيف يصطادون الأسماك، ويزرعون الخضروات، ويكسبون رزقهم، بالإضافة إلى أساطيرهم وجوانب أخرى من ثقافاتهم. ويشغل معرضا «الأسماك والناس» و«مانيوك» خيامًا كبيرة؛ إذ يدعو معرض «الأسماك والناس» الزائرين إلى فهم العلاقة بين الناس في أعالي نهر نجرو وعادات صيد الأسماك، في حين يوضح معرض «مانيوك» كيف تزرع المجتمعات التقليدية في نهر نجرو طعامها، وخاصة تلك الموجودة في منطقة سانتا إيزابيل حيث يوجد أكثر من 200 نوع مختلف من المانيوك. وملحق بالمعرض أيضًا «بيت الطحين» الذي يعرض أدوات فريدة طُورت منذ وقت طويل وما زالت تستخدم في العمل مع المانيوك وتحويل منتجاته الثانوية إلى عناصر أخرى مفيدة. تشمل هذه الأدوات المراوح والغرابيل و«تيبيتي»، وهي أداة تستخدم تحديدًا في استخراج المرق السام من المانيوك المبشور مسبقًا. بالإضافة إلى ذلك، هناك عديد من الأمثلة على الجدائل المصنوعة من أنواع مختلفة وأجزاء من نباتات المانيوك، التي تصبح بعد ذلك سلالًا منسوجة.

 

طلاب في معرض «الضفادع والأسماك والطحالب». تصوير: فانيسا جاما.

 

برج فوق الأدغال

يستطيع الزائرون في طريقهم إلى البرج الذي يبلغ ارتفاعه 138 قدمًا (42 مترًا) لرؤية أدغال الأمازون من أعلاه، العثور على أبراج طينية صغيرة متناظرة صنعتها حشرات الزيز في أثناء عمليات الانسلاخ الأخيرة. وعند زيارة البحيرة التي تضم نبات فيكتوريا أمازونيكا الرائع، وهو نبات عائم يبلغ قطر أوراقه ستة أقدام (مترين)، يمكن رؤية السلاحف النهرية وهي تأخذ حمامًا شمسيًّا، وإذا كنت محظوظًا، يمكنك مشاهدة نسل البرمائيات الذي يشبه حبلًا جيلاتينيًّا طويلًا. كل هذا وعديد من احتمالات الاستكشاف الجديدة تنتظر الزائرين الذين يغادرون مُحملين بأسئلة واهتمامات موسعة يسعون إلى متابعتها من خلال الكتب والإنترنت، ومناقشاتها مع الأصدقاء والمعلمين. وكذلك نشجعهم على تحديد أوجه الشبه بين ما لاحظوه في متحف الأمازون وبيئاتهم المنزلية، ومواصلة إبداء الملاحظات.

 

برج المراقبة الخاص بمتحف الأمازون. تصوير: فانيسا جاما

 

يدعو متحف الأمازون الزائرين إلى إطلاق عنان حواسهم للطبيعة، وطرح أسئلة تؤدي إلى فهم أكبر:

  • ما ألوان الغابة المطيرة، وروائحها، وأصواتها، وملامسها؟
  • ما العناصر المشابهة لهذه التجربة وموجودة بالفعل في ذاكرتنا؟
  • ما الجديد الذي نواجهه لأول مرة؟
  • كيف نتعلم قراءة البيئة بعيون العلماء والفنانين والمجتمعات التقليدية؟
  • ما أوجه الاختلاف في فهمنا، وكيف نستمتع بكل من مفاهيمنا وفي الوقت ذاته نختبر تجربتنا الخاصة والحقيقية؟

 

ضع الجوافة في الحسبان

تأمل قصة شجرة الجوافة على سبيل المثال. تعيش في التربة، تحت شجرة الجوافة وحولها، عديد من الكائنات الحية التي ترتبط بعضها ببعضٍ وبالعناصر غير الحية. ويشكل هذا التفاعل بينها جميعًا نظامًا بيئيًّا يوفر الموارد لشجرة الجوافة، وللكائنات التي تعيش عليها وحولها، ولعديد من الكائنات الحية الأخرى؛ وهذا التفاعل دقيق للغاية وحيوي.

يمكن للزائرين مشاهدة هذا العرض مباشرة في وقته الفعلي؛ إذ تستضيف شجرة الجوافة حيوات متنوعة طوال العام. فتزور أنواع الحشرات الأزهار وتلقحها، ولاحقًا، تأكل الطيور والحيوانات الأخرى ثمارها التي تنمو على الشجرة. وعندما تنضج الثمار وتسقط على الأرض، تتغذى عليها اللافقاريات؛ إذ تتحلل الثمار في التربة وينمو عليها عيش الغراب، ما يساعد في عملية التحلل.

 

نمو ثمرة الجوافة. تصوير: ف. فاروناي. 

 

لتوسيع أفق بحث الزائرين، بإمكانهم التحقيق في كيفية نمو كائن حي داخل ثمرة الجوافة أو الآليات الفسيولوجية التي تسمح بحركة حيوان ما. ويمكننا أيضًا تحليل زوايا فروع شجرة الجوافة أو جذور أغصانها باستخدام الرياضيات، أو كتابة قصيدة عن كيفية إثارتها الحواس، أو تأمل ألوانها في أغنية، أو وصف نظمها البيئية باستخدام مفاهيم فيزيائية.

هنا يكمن جمال المعرفة وقوة الصغر؛ فيتوفر للزائرين جميع أنواع خيارات الاستكشاف لإرضاء فضولهم بتأمل العالم الطبيعي من حولهم فقط. فهم بحاجة فقط إلى الإبداع والفضول والحرية؛ حرية الشعور، وطرح الأسئلة، والبحث عن الإجابات.

 

زنبق ماء الأمازون (فيكتوريا أمازونيكا). تصوير: روبنالدو فيريرا.

 


ريناتا موريتي (renata_moretti@g.harvard.edu)، باحثة مساعدة بمتحف الأمازون، وباحثة ما بعد الدكتوراه بقسم علم الأحياء العضوي والتطوري، جامعة هارفارد.

إنيو كاندوتي (ecandotti@sbpcnet.org.br)، فيزيائي متقاعد، ومدير متحف الأمازون.