كيف يمكن للأطفال المساهمة في العلم؟


بقلمإيناس عيسى

يبدأ الحماس للعلم بالحرص على تعلم أساسياته، وهو ما يأخذنا إلى الخطوة التالية: الشغف بالمساهمة. فعلى الرغم من أن هذه الخطوة متوقعة من الأشخاص الذين تخصصوا في العلوم أو يخططون للتخصص فيها، إلا أنها لا تتوقف عند هذا الحد. يمكن لعامة الناس أيضًا المساهمة في العلوم والمشاركة في البحث العلمي والعمل الميداني عن طريق «علم المواطن».

ما هو علم المواطن؟

من الأهداف الرئيسية للبحث العلمي تحسين حياة الناس من خلال اكتشاف المشكلات والعمل على إيجاد طرق جديدة لحلها. بمعنى آخر، يُجرى البحث العلمي لإفادة الناس على مستوى العالم. وهذا يعني أنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بحياتنا اليومية ولا ينفصل عن ممارساتنا.

هذه هي الطريقة التي يمكن تفسير مفهوم علم المواطن بها . إنها مشاركة عامة نشطة في البحث العلمي، وهي مستمرة في النمو بهدف تحسين الشفافية وإمكانية الوصول إلى العلم. 

يمكن لجميع المهتمين بالعلوم المشاركة في عديد من مراحل العملية العلمية، بدءًا من تصميم سؤال البحث، ومرورًا بجمع البيانات وتحليلها وتفسيرها، إلى نشر النتائج وتعميمها. الشيء الأكثر إثارة للاهتمام في هذا هو أنه لا يقتصر على البالغين.

فيمكن للأطفال المساهمة في العلوم في سن مبكرة جدًّا، وكذلك التطوع بوقتهم وطاقتهم للمساعدة في البحث. ولن تمنح هذه الطريقة الأطفال فقط الوصول إلى مفاهيم البحث التي لا تدرس عادةً في المدارس، بل ستجعل العلم أكثر قابلية للفهم بالنسبة إليهم. وفيما يلي مشروعان من بين عديد من المبادرات والمشروعات نفذا فكرة جعل الأطفال مساهمين نشطين في العلوم من خلال كونهم علماء مواطنين.

الأطفال مراجعين ومؤلفين مشاركين

في علاقة منفعة متبادلة، يمكن إثراء البحث من خلال المساهمة القيمة للأطفال، في حين يمكن للأطفال التعلم بشكل أفضل من خلال المشاركة في العملية، ووضع المعرفة موضع التطبيق، والمساهمة الفعالة، حتى في سن مبكرة جدًّا. وبالتالي، لا يبدو غريبًا أن نسمع عن الأوراق العلمية التي راجعها أو شارك في تأليفها أو جمع بياناتها الأطفال من أجل البحث العلمي.

من الأمثلة على الأطفال بصفتهم مساهمين نشطين في العلوم دورية الوصول المفتوح على الإنترنت «حدود للعقول الشابة» Frontiers for Young Minds (FYM) التي أطلقت في عام 2013. فتنشر مقالات في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من الأطفال إلى الأطفال؛ حيث يكون المراجعون الأقران جميعهم من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 أعوام و15 عامًا. من خلال هذا المشروع، يمكن للأطفال تقديم تعليقات واقتراحات حول الأوراق العلمية. يساعد هذا الباحثين على جعل هذه الأوراق أكثر إثارة للاهتمام، وأكثر إتاحة، وأكثر وضوحًا.

لمثل هذه المبادرة فائدة متبادلة لكل من الأطفال والباحثين. فمن ناحية، تساعد الباحثين على الانتباه إلى مراعاة الجمهور في أثناء تقديم أفكارهم المعقدة على منصات أكثر عمومية وتعمل كحافز لإبقاء العقل منفتحًا على التعلم. ومن ناحية أخرى، فإنها تفيد الأطفال؛ لأنه عندما ينشرون في دورية FYM، فإن هذا يعزز سيرهم الذاتية للعمل في مجال التواصل العلمي والتوعية والتحرير في المستقبل.

الآن، يضم موقع FYM الإلكتروني أكثر من 3200 طفل من المُراجعين و550 موجهًا علميًّا يتألفون أساسًا من طلاب الدراسات العليا وما بعد الدكتوراة.

الأطفال علماءً مواطنين في الميدان

بالإضافة إلى المشاركة في تأليف الأوراق البحثية، أظهر الأطفال إمكانية المشاركة في مشروعات بحثية ميدانية. فأبرزت الأبحاث المرتبطة بوظائف النظام البيئي التي تدعم صحة النظام البيئي كيف يمكن لطلاب المدارس الابتدائية المساهمة في بيانات تقدير الغطاء النباتي، وقياس ارتفاعه، وإحصاء البذور من تجربة إزالة البذور.

في هذا البحث، أحصى الأطفال البذور بشكل مشابه للعلماء ولكنهم قللوا أو بالغوا في تقدير الغطاء نباتي وقاسوا ارتفاعات مختلفة. وعلى الرغم من أنه لم يمن لدى الأطفال قبل هذه الدراسة خبرة أو تدريب متخصص في إجراء التجارب العلمية، إلا أن النتائج أظهرت أنه يمكن إشراكهم كعلماء مواطنين في المشروعات البحثية وفقًا لمستوى مهاراتهم. ومع ذلك، تتطلب المهام الأكثر تعقيدًا تدريبًا خاصًّا للتعرف على التجارب العلمية وتطوير المهارات والأساليب المطلوبة.

أظهر الباحثون أيضًا أن الأطفال اكتسبوا نظرة أعمق في الخلفية البيئية للموائل المحلية والتفاعلات بين النبات والحيوان. يمكن أن يدعم هذا المحتوى التعليمي داخل المناهج الدراسية للصفوف من الثاني إلى الرابع، إلى جانب كونه فرصة لتطبيق ودمج تعلم العلوم النشط في روتينهم المدرسي التقليدي في الغالب.

علاوة على ذلك، من خلال هذه التجربة، أتيحت الفرصة للأطفال لتطوير فهم بيئتهم اليومية المحيطة، وتقوية تفكيرهم المنهجي في وقت مبكر من عملية تعلم محو الأمية العلمية، وأن يكونوا جزءًا من البحث العلمي الحقيقي.

سيكون لهذا أهمية كبيرة؛ لأن نقل المعرفة المتعلقة بالتنوع الحيوي ووظائف النظام البيئي إلى الجمهور أمر في غاية الأهمية. هذا بسبب القضايا المزعجة في جميع أنحاء العالم، التي تنمو بشكل كبير وتتطلب أشكالًا جديدة من التواصل بين الهياكل المختلفة للمجتمع من أجل عمل أفضل.

للأطفال ذوي العقلية العلمية

نظرًا لأنه يجب تأصيل كل فكرة أو سمة مهمة في أثناء الطفولة لتزدهر أكثر، فإن غرس فكرة المساهمة في العلم في سن مبكرة أمر حيوي. ومن شأن الإرشادات التالية المساعدة على تعزيز المشاركة العلمية والمساهمة لدى الأطفال:

  1. دع الأطفال يتحدثون عن آرائهم دون انقطاع: أظهرت الدراسات أن الأطفال يتعلمون بشكل أفضل عندما يُطلب منهم شرح أسبابهم. فيساعدهم هذا على فهم ما يفكرون فيه والأفكار المكتسبة حديثًا.
  2. اربطهم بالعلوم من خلال القصص الإخبارية العاجلة: يُعد تعريف الأطفال بأخبار العلوم فرصة لهم للنظر في عملية العلم، وقد تدعم البيانات الجديدة تعلم العلوم.
  3. اغمرهم في موضوعات علمية محددة: اجعل الأطفال ينغمسون في موضوع ما لفترة كافية، بدلاً من القفز من موضوع إلى آخر؛ حيث يتعلم الأطفال بشكل أفضل من عمق المادة وليس اتساعها.
  4. اجعل تجربة التعلم الخاصة بهم تفاعلية: الأطفال لا يحبون المحاضرات. يحتاج الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة إلى كثير من الخبرات العملية ويحتاجون إلى تلقي ملاحظات فورية من المعلمين والأقران، بينما يستفيد الأطفال الأكبر سنًا من التدريس التفاعلي أيضًا.

ينبغي النظر بعمق في الجهود التي يبذلها الأطفال في سن مبكرة للغاية؛ فيمكنهم فعل الكثير، وإفادة الآخرين، وإفادة أنفسهم. كل هذا يبدأ بالاعتقاد بقدراتهم على المساهمة وتحقيق نتائج جيدة أكبر بكثير من صغر سنهم.

 

مراجع

journals.plos.org
natureindex.com
nature.com
parentingscience.com/science-for-kids
Citizen Science 
eu-citizen.science
scistarter.org/citizen-science
nationalgeographic.org/citizen-science-project