عودة إلى قوة الصغر

عندما يكون الصِغر هو الخلطة السرِّية


بقلم: لارا ليتشفيلد-كيمبر


نشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية تحت عنوان When Small is the Secret Sauce في عدد مارس-أبريل 2019 من مجلة «دايمنشنز» Dimensions التي تصدرها جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC. قامت رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط NAMES بترجمة المقال ونشره باللغة العربية بتصريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ومن المؤلف/المؤلفين، وتتحمل NAMES مسئولية هذه الترجمة.

لا يجوز إعادة إنتاج هذا المحتوى، سواء بالإنجليزية أو العربية، بأي شكل من الأشكال، دون إذن كتابي صريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC.


 

قبل وبعد: الساحة الخارجية لمتحف ميد-هادسون للأطفال، في مدينة بكبسكي، بولاية نيويورك، 2012 و2018. تصوير: متحف ميد-هادسون للأطفال

 

يتسنى لك معرفة كثير عن نفسك، وعن استعدادك لاتخاذ المخاطر، والأشياء التي تُقدرها مهنيًّا عندما تنخرط في عمل صغير. بدأ الأمر كبيرًا، وكان علىَّ المضي قدمًا في العمل حتى يصبح صغيرًا. فقبل عشرين سنة، بدأتُ حياتي المهنية في قطاع الأعمال غير الهادفة للربح مسؤولةَ تمويلٍ بوحدة تطوير مؤسسي تضم 350 شخصًا في جامعة كبيرة تابعة لرابطة اللبلاب. بعدها، قدتُ شركة تطوير برمجيات تضم 16 شخصًا في جامعة خاصة صغيرة، ومن ثَمَّ انتقلت إلى مجال المتاحف العلمية في عام 2004. في البداية، لم أعطِ فكرة الانضمام إلى ما بدا فريق صغير بمركز «ساينسنتر» Sciencenter في إثاكا، بنيويوك قدرها. ثُمَّ أدركتُ أنها فرصة لن تتكرر لإحراز تقدم في رسالتي الشخصية، وهي فتح الأبواب للآخرين من خلال الجمع بين شغفي بتعليم العلوم ومهاراتي الاحترافية في مجال جمع التمويل والتبرعات.

فمنحتني السنوات الثمانية التي قضيتها في مركز ساينسنتر فرصًا غير مسبوقة لتطوير مهاراتي القيادية، وبناء علاقات مع زملاء في شتى تخصصات قطاع المتاحف العلمية، وتجربة أشياء جديدة – وأحيانًا غريبة جدًّا – لإيقاد خيال الناس وإثارة اهتمامهم بالعلوم. ولهذا السبب، عندما أتتني فرصة التحول إلى قيادة متحف صغير جدَّا ومتعثر للأطفال في بكبسكي، بنيويورك، كان الأمر بمثابة التحدي المناسب بالنسبة لي.

ها أنا الآن مديرة تنفيذية لمتحف ميد-هادسون للأطفال منذ عام 2012. لن أكذبكم القول، كنت على دراية بأنني أرِثُ ما أصفه بكل حبٍ بـ«فوضى». فقد كان المتحف على حافة الإغلاق قبل ذلك بعام، وكان قادرًا على الاستمرار فقط بدعم مادي مقدم من مؤسسة محلية. فكان تخطيط البرامج الأساسية، والشؤون المالية، والعاملين في حالة من الفوضى؛ هذا إلى جانب تردي حالة المكان نفسه وتهالكه، وقلة عدد الحضور وعدم استدامته. أضف إلى هذا سنوات من المشاركة المجتمعية المخيبة للآمال أضرت كثيرًا بسمعة المتحف في المجتمع.

يقع متحف ميد-هادسون للأطفال في وسط مدينة بكبسكي، وهي مدينة صغيرة مبتلاة بمعدل مرتفع للجرائم العنيفة ونسبة فقر تبلغ 35٪؛ حيث يكون أحد والدي نحو 40٪ من الأطفال في سن ما قبل الحضانة مسجونًا خلال العام الدراسي. ورغم أن التركيبة السكانية في الحي من حولنا تجبرنا على التوقف والتفكير لبرهة، فإنها أيضًا تمنح فرصة عظيمة لأي مؤسسة ترغب في اتخاذ مخاطبة الاحتياجات الملحة للمجتمع لتكون استراتيجية تحول خاصة بها.

كان هذا ما فعلناه بالضبط.

في مجال المتاحف، كثيرًا ما نسمع عن مؤسسات تحاول تحويل نظرة مجتمعاتها إليها من «مؤسسات لطيفة إلى مؤسسات ضرورية»، كوسيلة لزيادة تأثيرها وبناء علاقات جوهرية. بالنسبة إلينا، كان ذلك التحول بمثابة استراتيجيتنا للبقاء – ومن ثم الازدهار – وهي استراتيجية أمكن تسريعها بفضل «صغر حجمنا».

بعد ست سنوات قضيناها في تلك المغامرة الكبيرة، بتنا مؤسسة مختلفة تمامًا. فأعاد متحف ميد-هادسون للأطفال بناء مجلس إدارته وموظفيه، وأصبح لديه استراتيجية تنظيمية ثابتة مصممة وفقًا لاحتياجات العائلات في المنطقة. فمن خلال التركيز على تعزيز المساواة، وإتاحة خبرات التعلم المبكر، وتحسين الصحة، وبناء المجتمع، استطعنا وضع إطار عمل طورنا في ضوءه برنامجًا متحفيًّا جديدًا تمامًا. وقد مكننا هذا الوضوح من بناء شراكات دائمة والسعي نحو مبادرات جديدة لتناول احتياجات المجتمع التي تطرأ، حتى وإن كانت تلك الاحتياجات تقع خارج نطاق الحدود المتوقعة لما قد يقدمه متحف للأطفال.

 

«مطبخ الأطفال» برنامج تعليم طهي مجاني يُنظم أسبوعيًّا في «سوق بكبسي ووترفرانت» أو Poughkeepsie Waterfront Market
الذي ينظمه متحف ميد-هادسون للأطفال. تصوير: متحف ميد-هادسون للأطفال

 

في ست سنوات، استطعنا زيادة الحضور من 18 إلى 80 ألف زائر، وزادت ميزانيتنا أكثر من الضعف لتصل إلى مليون دولار. فبنينا في تلك الفترة علاقات راسخة مع عدة ممولين جدد، وشهدنا ارتفاع مكانتنا في المجتمع لنصبح «شريكًا مفضلًا» بين الوكالات، والمدارس، والحكومة المحلية.

 

ما هي مكونات خلطتنا السرية؟

 

  1. بناء فريق من اللاعبين المؤثرين. سواءً عند اختيار عاملين أو أعضاء مجلس إدارة جُدد، تبنينا منهجية استراتيجية لتحديد أشخاص ذوي خبرات ومهارات وعقليات محددة نحتاج إليها في المكان، وتعيينهم. فنحن نريد الأفضل من بين الأفضل، وأصبح لدينا التزامًا بالاستغناء عن الأشخاص الذين لا يزيدون قوة فريقنا.

 

  1. كقائد، ابقَ قريبًا من الأرض. عندما كنتُ مديرة تنفيذية جديدة العهد، بدأت رحلة استماع استمرت ثلاثة أشهر، استمعت خلالها إلى آباء وأمهات، وقادة في المجال، وعاملين في الحكومة ومجال التعليم العالي وقطاع الأعمال غير الهادفة للربح؛ وكنت اسألهم السؤال ذاته: «ما أهم ثلاثة احتياجات للأسر التي لديها أطفال صغار في منطقتنا»؟ وكانت الإجابات تصبُّ في ثلاث فئات عامة: الاستعداد للمدرسة، والصحة والعافية، وبناء المجتمع. أصبحت تلك الفئات الثلاثة أساس استراتيجية تنظيمية جديدة؛ لأنها مثلت الأعمال المناسبة التي يمكننا تقديمها لدعم جمهورنا. وحتى الآن، ما زلت أتطلع إلى فرصٍ لألتقي بالعائلات في مجتمعنا مباشرة لمناقشة احتياجاتهم.

 

  1. لتكن أفكارك كبيرة، وليكن تنفيذها بالحجم مناسب. نتطلع إلى التركيز على القضايا الكبرى التي تؤثر في منطقتنا وفي العالم، ثم ننفذ حلولًا مناسبة على النطاق المحلي. على سبيل المثال، استجابة لمشكلة الأمن الغذائي المقلقة في مدينة بكبسكي، أطلق المتحف سوقًا عامًّا للمزارعين من ضمن برامجه الأساسية للربط بين قاطني المدينة وبين العائلات التي تنتج أطعمة محلية صحية. هذا البرنامج ليس من صميم عمل متاحف الأطفال؛ في الواقع، نحن أول متحف أطفال في البلاد يُطلق سوقًا للمزارعين. هذا يعني أننا اضطررنا إلى تخطي حدود المجال لفهم وتعلم فضلى الممارسات لإدارة أسواق المزارعين. سمحت لنا تلك التجربة بالبحث عن فضلى الممارسات الخاصة بمجال أسواق المزارعين المحلية وتوريدها إلى مجتمعنا الخاص، هذا بالإضافة إلى فتح أبواب جديدة لشراكات تتعلق بالبرامج والدعاية.

 

  1. الدقة في اتخاذ القرارات. كثيرًا ما نسمع أن المتاحف الصغيرة تحتاج إلى «فعل أشياء كثيرة بموارد قليلة»؛ دائمًا ما أزعجتني تلك المقولة العاطفية لأنها نابعة من عقلية العجز وتحدُّ من القدرات الذاتية. فبدلًا من هذا، نحن نرى أنفسنا وكلاء ماليين أقوياء، ونتحمل مسؤولية اتخاذ أفضل القرارات بالموارد التي نملكها. تجبرنا طريقة التفكير تلك على تفنيد كل فرصة من خلال دراسة مختلف العوامل، ومن ثمَّ تحسين عملية اتخاذ القرار الجماعية، وقول لا بارتياح بخصوص الأشياء التي لم تحصل على تأييد كامل. كذلك تجبرنا على الاستغناء عن الأنشطة التي لم تعد تدفعنا إلى الأمام.

 

  1. احتضان الشراكات الاستراتيجية. في متحف يضم 12 عاملًا فقط، كانت الشراكة مع الآخرين الطريقة الوحيدة لإحداث تأثير جذري في مجتمعنا. في مرحلة مبكرة جدًّا من برنامج الاستعداد للمدرسة، قررنا الاستفادة من الخبرات الخاصة بمجال المتاحف، واستغلالها في بكبسكي. فبتمويل من معهد خدمات المتاحف والمكتبات، أسسنا شراكة مع مركز الإثراء المبكر التابع لمؤسسة سميثسونيانSmithsonian Early Enrichment Center لتطوير رحلات ميدانية معنية بالتعلم المبكر مبتكرة للغاية لجميع الأطفال المشاركين في برنامج بكبسكي لمرحلة ما قبل الحضانة. والآن في السنة الخامسة له، لدينا شبكة محلية من معلمي المراحل المبكرة، والعائلات، ومعلمي المتاحف الملتزمين بإعداد الأطفال المعرضين للمخاطر للنجاح في المدرسة.

 

يزور 358 طفلًا في سن ما قبل الحضانة متحف ميد-هادسون شهريًّا للمشاركة في رحلات ميدانية مجانية،
في إطار مبادرة الاستعداد للمدرسة. تصوير: متحف ميد-هادسون للأطفال

 

أوصلتنا تلك الخلطة السرية إلى موقعنا اليوم؛ إذ نطلق مشروعًا توسعيًّا كبيرًا لإنشاء مجمع جديد يضم أربعة متاحف معنية بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في منطقة بكبسكي ووترفرانت على نهر هادسون. وهناك شيء أكيد ونحن نخطو نحو تلك الرؤية الجريئة: فنحن نخطط لاستغلال صِغرنا كميزة استراتيجية بينما نتطلع إلى تكبير أعمالنا.

 


ارا ليتشفيلد-كيمبر (llkimber@mhcm.org) المديرة التنفيذية لمتحف ميد-هادسون للأطفال في مدينة بكبسكي، نيويورك.