النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات: اختراق الحدود


بقلمإيناس عيسى

 

كل رحلة لها أوقاتها الجيدة والسيئة والصعبة؛ ودائمًا ما تكون رحلات العالمات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM مصدرًا للإلهام. وعلى الرغم من أن بعض تلك الرحلات قد تتقاطع في بعض النقاط، إلا أن كل واحدة تظل مميزة بتحدياتها ونتائجها.

وفقًا لتقرير اليونسكو للعلوم لعام 2021، وصل عدد الباحثات في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات إلى ما يزيد قليلاً عن 33٪ في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن هذا يعد تقدمًا جيدًا في عدد الباحثات، إلا أنه لا يزال بطيئًا للغاية.

هنا، نسلط الضوء على رحلات ثلاث عالمات في مجالات الذكاء الاصطناعي والرياضيات والزراعة، وكلهن قد أحدثن فرقًا حقيقيًّا.


 

رنا القليوبي 

«أحاول إدخال المشاعر في التكنولوجيا وجعل تقنيتنا أكثر استجابة؛ فأريد من هذه الأجهزة التي فصلتنا أن تعيد جمعنا معًا».

رنا القليوبي مخترعة رائدة في مجال الإدراك العاطفي والإنساني للذكاء الاصطناعي، وزميلة تنفيذية في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد. تعمل رنا على إعادة مشاعرنا إلى تجاربنا الرقمية؛ حيث نقضي جزءًا كبيرًا من وقتنا في استخدام الأجهزة الرقمية في أثناء الدراسة والعمل والتسوق واللعب وما إلى ذلك. رنا القليوبي عالمة كمبيوتر وسيدة أعمال مصرية أمريكية حاصلة على درجة البكالوريوس والماجستير في العلوم من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم الدكتوراه من كلية نيونهام بكامبريدج؛ وهي في مهمة لإضفاء الطابع الإنساني على التكنولوجيا باستخدام الذكاء الاصطناعي، ليس فقط لفهم أوامرنا، ولكن أيضًا لفهم تعابير الوجه ولغة الجسد والحالات العاطفية لدينا.

 

تحويل تأثير الأجهزة الرقمية

في بداية رحلتها في العلوم، كانت رنا القليوبي عالمة باحثة في مختبر الوسائط التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT؛ حيث طورت تطبيقات لترميز الوجه لإفادة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية والتوحد ومجالات البحث الأخرى. تؤمن رنا وتعمل بكد لإنشاء عالم تعيد جمعنا فيه الأجهزة والتقنيات التي كانت تفرقنا. لجعل هذا الهدف قابلاً للتحقيق، تعمل مع فريقها على طرق لإضفاء الطابع الإنساني على التكنولوجيا، مما يمنحنا فرصة ذهبية لإعادة تصور كيفية اتصالنا بالآلات، وبالتالي كيفية تواصلنا بعضنا مع بعض.

كان هدفها الأصلي هو تحسين التفاعل بين الإنسان والحاسوب، ولكنها سرعان ما أصبحت مفتونة بإمكانية تطبيق هذه التكنولوجيا لتحسين التواصل بين الأشخاص، خاصة للأشخاص المصابين بالتوحد الذين يعانون من التواصل العاطفي، وكذلك الأشخاص الذين يعانون من إعاقة بصرية. تقنية التعرف على المشاعر بالذكاء الاصطناعي الحائزة على جوائز التي اخترعتها رنا القليوبي تستخدم قاعدة بيانات ضخمة تضم قرابة 8.8 مليون وجه حُللت في 87 دولة؛ لاكتشاف العواطف والحالات المعرفية المختلفة من خلال الجمع بين تعبيرات الوجه ونبرة الصوت لتفسير شعور الشخص.

استخدمت تقنية الذكاء الاصطناعي هذه في مختلف المجالات؛ في الإعلانات، استخدمت لاختبار تفاعل المستهلك مع الإعلانات ومقاطع الفيديو والبرامج التلفزيونية. كذلك تستخدم في الرعاية الصحية والتعليم والروبوتات الاجتماعية وواجهات المحادثة وغيرها.

 

الجوائز

حصلت رنا القليوبي على عديد من الجوائز والترشيحات. في عام 2006، أُدرِجت «أدواتها المساعدة للسمع العاطفية –مجموعة من النظارات القادرة على قراءة المشاعر»، التي طورتها في مجموعة الحوسبة العاطفية في مختبر الوسائط التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، ضمن أفضل 100 ابتكار في مجلة«نيويورك تايمز».

في الآونة الأخيرة، اختيرت رنا القليوبي في قائمة «رادار المفكرين الخمسين» لعام 2018 Thinkers50 Radar، وهي قائمة للمفكرين الإداريين الذين من المرجح أن يشكلوا مستقبل كيفية إدارة المؤسسات وقيادتها. في العام نفسه، اختيرت ضمن قائمة «أربعون تحت الأربعين» لمجلة «فورتشون» لعام 2018 Fortune’s "40 Under 40"، وهي قائمة من الشباب الأكثر نفوذًا في مجال الأعمال. كذلك اختيرت ضمن: قائمة «أفضل خمسين امرأة في التكنولوجيا» لمجلة «فوربز» الأمريكية Forbes America’s "Top 50 Women in Tech"؛ وقائمة «مائة امرأة مؤسسة» لمجلة «إنك» Inc.’s "Female Founders 100"؛ وقائمة «خمسون متوهجًا» لدورية «بوستينو» BostInno’s "50 on Fire"؛ وقائمة «25 عبقريًا يبتكرون مستقبل الأعمال» لمجلة «وايرد»WIRED’s "25 Geniuses Who Are Creating the Future of Business".


 

سيجينيت كيليمو 

«الدافع في حياتي هو إحداث فرق في حياة الناس وتحسين الزراعة في إفريقيا.»

كانت عالمة أمراض النبات الإثيوبية سيجينيت كيليمو أول امرأة في منطقتها تحصل على شهادة جامعية. نشأت في قرية فقيرة حيث يتعين على المرء أن يختار بين الأكل وشراء قلم؛ فكانت متمردة بما يكفي لرفض الأعراف والزواج في سن مبكرة جدًًا كما اعتادت أن تفعل الفتيات في قريتها. علاوة على ذلك، كانت مصممة على الذهاب إلى الجامعة والعمل بجد؛ مثل هذا العمل الذي حقق نتائج رائعة لمنطقتها وعالميًّا.

 

مواجهة أزمة الأمن الغذائي

في عام 1992، انضمت كيليمو إلى المركز الدولي للزراعة الاستوائية بكولومبيا بصفة عالم أول، ومن ثم عُينت قائدًا لإدارة صحة المحاصيل والنظم الزراعية. في عام 2007، أصبحت مديرة مركز العلوم الحيوية في شرق ووسط إفريقيا في المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية بنيروبي، وشغلت منصب نائب الرئيس للبرامج في التحالف من أجل ثورة خضراء في إفريقيا بنيروبي.

تكرس أبحاث كيليمو لمساعدة المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة في العالم على زراعة مزيد من الغذاء والتخلص من الفقر. ويساعد عملها على المساهمة في حل أزمة الأمن الغذائي العالمي. يتمثل نطاق عمل كيليمو في دراسة الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش داخل نباتات السهول، مما يساعدنا على فهم كيف تنجو تلك النباتات من التحديات المختلفة؛ مثل الجفاف والآفات والحيوانات العاشبة وتغير المناخ. من شأن ذلك توليد نتائج أفضل من خلال فهم كيفية استخدام التكنولوجيا الحيوية لمساعدة إفريقيا على إطعام شعوبها والحفاظ على نظمها البيئية.

نتيجة لعملها الجاد وإسهاماتها العلمية، حصلت على جائزة الصداقة من جمهورية الصين الشعبية، وهي زميلة في الأكاديمية الأفريقية للعلوم؛ وبعد سنوات من الدراسة والعمل في الخارج، عادت كيليمو إلى إفريقيا لتتولى قيادة جيل جديد من العلماء. تقول كيليمو: «أعتقد أن الاستثمار في الزراعة الأفريقية والاستثمار في البحوث الأفريقية هو في الواقع استثمار للبشرية جمعاء».

 

الجوائز

في عام 2014، حصلت على جائزة لوريال-يونسكو L'Oréal-UNESCO للمرأة في مجال العلوم، واختيرت واحدة من أكثر مائة امرأة أفريقية تأثيرًا من قبل مجلة «فوربز» الأفريقية Forbes Africa، وانتُخبت زميلة في الأكاديمية العالمية للعلوم في عام 2015.

في عام 2013، اعترفت الأكاديمية الأفريقية للعلوم بالدكتورة كيليمو كزميل لإسهاماتها البارزة في تقدم العلوم في أفريقيا، وفي عام 2015، انتخبت زميلة في الأكاديمية العالمية للعلوم TWAS.

في الآونة الأخيرة، تشغل الدكتورة سجينيت كيليمو منصب المدير العام للمركز الدولي لفسيولوجيا الحشرات وعلم البيئة بنيروبي، وهي رابع رئيس تنفيذي وأول امرأة تقود هذه المنظمة.


 

مريم ميرزاخاني 

«إثارة الاكتشاف والاستمتاع بفهم شيء جديد، والشعور بأنك على القمة، وأن تتمتع برؤية واضحة.»

ولدت مريم ميرزاخاني في طهران عام 1977 وكانت تحلم بأن تصبح كاتبة؛ فلم تكتشف موهبتها وشغفها بالرياضيات إلا في المدرسة الثانوية، حيث ازدهرت ونفذت إبداعها وفكرها. على الرغم من وفاة هذا العقل اللامع في عام 2017، إلا أن إسهاماتها التي لا تقدر بثمن في مجال الرياضيات لا تزال قائمة، وقد مهدت إنجازاتها البارزة الطريق لكثير من عالمات الرياضيات في المستقبل.

 

رحلة غنية في الرياضيات

تضمنت موضوعات بحثها نظرية تيشمولر Teichmüller، والهندسة الزائدية، ونظرية إرجوديك ergodic، والهندسة العطفية. من خلال أبحاثها المبكرة، تمكنت ميرزاخاني من حل مشكلة حساب الجيوديسيا البسيطة المغلقة على أسطح ريمان الزائدية من خلال إيجاد علاقة بحسابات الحجم على مساحة النماذج. حصلت ميرزاخاني على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد وكانت باحثة رائدة في ديناميكيات وهندسة الأسطح المعقدة. تعتبر رحلتها في مجال الرياضيات مثيرة وغنية للغاية. وكرمت لعملها المبتكر والرائع بشكل استثنائي الذي يجمع بين أدوات من الأساليب الكلاسيكية للأشكال التلقائية والتقليل العاطفي.

 

الجوائز

 دخلت ميرزاخاني في هذا المجال العميق والمتشابك بتصميم راسخ؛ فكانت أول امرأة وأول إيرانية تحصل على ميدالية فيلدز، وهي الميدالية الدولية للاكتشافات المتميزة في الرياضيات، والجائزة الأشهر في هذا المجال. 

خلال سنواتها الأولى في الدراسة، أصبحت أول طالبة إيرانية تفوز بالميدالية الذهبية في الأولمبياد الدولي للرياضيات عام 1994، وعام 1995 فازت بالجائزة نفسها بحصولها على الدرجة النهائية. عام 2005، اعتُرف بها واحدةً من أفضل عشرة عقول شابة دفعت مجالاتها في اتجاهات مبتكرة في قائمة «العباقرة العشرة» السنوية الرابعة لمجلة «العلوم الجماهيرية» Popular Sciences’s fourth annual “Brilliant 10”.


 

كل من هذه القصص الثلاثة الملهمة لم تكن لتُروى ما لم تصمم كل من أولئك الباحثات المتميزات بما يكفي لتخطي الحدود ومواجهة تحديات المجتمع، فضلاً عن المجالات العلمية التي اخترنها. لا يتعلق الأمر فقط بالحلم، بل يتعلق بمدى تصميمك وحرصك على التغلب على الصعوبات، والاحتفال في النهاية بالنتائج التي تحلم بها.

 

مراجع

unu.edu/dr-segenet-kelemu
An Interview with Kelemo 
Rana El-Kaliouby's Ted Talk
un-women.medium.com/seven-women-scientists-who-have-shaped-our-world-
soci.org/celebrating-female-scientists-in-the-middle-east-and-north-africa
sternspeakers.com/rana-el-kaliouby
britannica.com/Maryam-Mirzakhani
www.arabamerica.com/hidden-figures-arab-women-science