بقلم: إيناس عيسى
مؤخرًا، أصبحت الاستدامة مظلة رئيسية لأهداف عديدة في مختلف المجالات، إذ تؤكد على أهمية الحلول الحالية والمستقبلية بعيدًا عن الرؤية المحدودة التي أهدرت موارد طبيعية كثيرة وهددت حياة كثير من الكائنات على كوكب الأرض. يتعلق المفهوم بشكل أكبر بتضمين إمكانية بقاء جميع الكائنات الحية على الأرض، عوضًا عن الإجراءات الفورية التي قد ينجم عنها تأثير ضارِّ لا يمكن عكسه.
فقد ظهرت مفاهيم مهمة للمساعدة على التخفيف من الآثار المؤذية التي لا يمكن إنكارها لسنوات طويلة من الاستهلاك الشره الذي استنزف الموارد والجهود المبذولة. وأحد تلك المفاهيم التي ظهرت مؤخرًا مفهوم العمارة المستدامة. للوهلة الأولى، قد يعتقد كثيرون أن الأمر مرتبط فقط بالحفاظ على الموارد البيئية، ولكن العلم أثبت أنه قادر على إحداث تأثير إيجابي جلي على الصحة العقلية.
العمارة المستدامة، المعروفة أيضًا بالتشييد الأخضر، هي العمارة المشيدة بالتوافق مع مبادئ صديقة للبيئة. والهدف منها تقليل التأثير البيئي السلبي الناجم عن الانبعاثات، والتلوث، والمخلفات غير الصديقة للبيئة المستخدمة في البناء والتشييد.
وهي مصممة أيضًا لضمان عدم تأثير استخدام الموارد المتاحة سلبيًّا في إمكانية الحصول على الموارد لاستخدامات أخرى على المدى الطويل. وهكذا، فإن العمارة المستدامة تركز على إنتاج تصميمات ذكية واستخدام التقنيات المتاحة للحدِّ من التأثيرات الضارة في النظم الإيكولوجية والمجتمعات.
أما المنافع البيئية، فقد تتجلى في الحفاظ على الموارد الطبيعية والحدِّ من التدهور البيئي. وأما المنافع الاقتصادية، فتتمثل في تقليل الأموال التي ينفقها مشغلو المباني على المياه والطاقة وتحسين إنتاجية مستخدمي المرفق. وأما المنافع الاجتماعية، فتتمثل بشكل أساسي في تقليل الضغط على البنية التحتية المحلية.
وقد توسعت الأبحاث عن التشييد الأخضر مؤخرًا لتشمل ما هو أبعد من التركيز على تقليل المياه والطاقة المستخدمة؛ مثل كيفية تأثير المباني في الناس الذين يعيشون ويعملون فيها. وكانت النتائج بالغة الأهمية؛ إذ أظهرت أن العمارة المستدامة أو الخضراء تؤثر مباشرة في صحتنا العقلية.
وقد أجرى الباحثون في جامعة ماريلاند بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة جديدة لتقييم صلاحية تصميم المباني المستدامة في تعزيز الصحة العقلية والرفاهية. كما تقيس مدى تأثير المباني المستدامة في الأداء العاطفي والمعرفي للأشخاص مقارنة بالمباني التقليدية. وقد أظهرت النتائج زيادة في المشاركة البصرية، والتركيز، ومعالجة التحكم لدى المشتركين في المباني المستدامة مقارنة بالمباني التقليدية.
ذكر الباحثون أنه يمكن تفسير نتائج الدراسة من خلال نظرية الحمل المعرفي، التي تتعلق بكم المعلومات التي تستطيع الذاكرة العاملة احتوائها في الوقت نفسه، والتي تتوافق مع تفسير التركيز الأكبر في البيئة الحالية، وتقليل المعالجة العقلية الداخلية. معنى هذا أن البيئة التي خلقتها تلك المباني المستدامة تساعد على زيادة اليقظة، وتؤدي إلى تفاعلات أفضل للأنظمة المرئية.
أيضًا، يلقي الخبراء الضوء على فوائد تلك المباني في الحدِّ من مرض العمال وتغيبهم، وزيادة إنتاجيتهم، والرضاء في مكان العمل.
باختصار، لا يعمل أي شيء في بيئتنا بشكل مستقل؛ فكل شيء مترابط. فنحن نستفيد اجتماعيًّا وعقليًّا من خلال تنفيذ العمارة المستدامة لصالح البيئة والاقتصاد.
المراجع
nature.com
nationalgeographic.com/environment
academia.edu/Sustainable architecture
Cognitive Load Theory