بناء مجتمع مع المعلمين


بقلم: روبرت بايو


نُشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية تحت عنوان Building Community with Educators في عدد نوفمبر-ديسمبر 2019 من مجلة «دايمنشنز» Dimensions التي تصدرها جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC. قامت رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط NAMES بترجمة المقال ونشره باللغة العربية بتصريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ومن المؤلف/المؤلفين، وتتحمل NAMES مسئولية هذه الترجمة.

لا يجوز إعادة إنتاج هذا المحتوى، سواء بالإنجليزية أو العربية، بأي شكل من الأشكال، دون إذن كتابي صريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC.


روبرت بايو، منسق برامج المعلمين بمتحف دنفر للطبيعة والعلوم، ييسر جلسة للمعلمين. تصوير متحف دنفر للطبيعة والعلوم

 

منذ ثماني سنوات دخلت عالم التطوير المهني للمعلمين بمتحف دنفر للطبيعة والعلوم في فترة سخية تدفقت فيها المنح المالية واكتظت ورش العمل؛ فكان كل ما نحتاجه هو إرسال بريد إلكتروني أو اثنين لتبدأ برامجنا في الامتلاء.

ومنذ ثلاث سنوات، بدأت ألاحظ ظاهرة ما؛ فمن ناحية، توقف المعلمون عن حضور برامجنا التدريبية. ومن تمكنوا من القدوم، عادةً ما يبدون متعبين ومضغوطين. وسيتحدث الناس معي عن رغبتهم في تبديل المدارس أو الانتقال إلى مقاطعات أخرى في محاولة لامتلاك زمام أمور حياتهم الشخصية والعملية. فرغم جهودنا ووسائلنا لجذب الناس، أصبح إقناع المدرسين بصورة فردية للتسجيل في عروض دوراتنا أصعب من ذي قبل. ومن خلال التحدث مع الزملاء في متاحف ومراكز علوم أخرى، بدأت أسمع قصص مشابهة.

كذلك رددت مقالة حديثة في دورية «أسبوع التعليم» أفكارًا مماثلة. فوصفت ظاهرة تتجه نحو عدد من جلسات التدريب الإجبارية في مختلف الموضوعات غير الأكاديمية للمدرسين في مدارسهم ومقاطعاتهم (بلاد، 2019). فصرح أحد المدرسين في المقالة: «إن فرصة التعمق في الموضوعات ذات الأهمية المباشرة لي ولطلابي تكبح عندما تصبح المتطلبات التشريعية مرهقة».

فيعد التدريب غير الأكاديمي، والذي يتعامل مع موضوعات تتراوح من الإنتحار وحتى تفادي المخدرات، أمرًا قيّمًا؛ مع ذلك، يشير حتمًا إلى حقيقة أن الضغط على وقت المعلمين يمنعهم من حضور التعلم المهني خارج نطاق متطلبات الدولة والمقاطعة الإجبارية.

بالملاحظة المبكرة لتلك الظاهرة، أعدنا النظر في جهودنا للمشاركة مع المعلمين، بالتركيز على التحولات الجوهرية التي ساعدتنا على متابعة دعم المعلمين في بيئة متغيرة. واتساقًا مع أولويات متحفنا العريضة، تعتمد تلك التحولات على مناهج ترتكز إلى الإنسان وتضع بناء المجتمع في المقدمة.

 

شراكة متحف دنفر للطبيعة والعلوم مع مقاطعة ويستمينستر المدرسية ومدتها ست سنوات، وتشمل زيارات إلى جميع المدارس؛
إذ توفر للطلاب برامج رحلات ميدانية متحفية، وتطويرًا مهنيًّا للمعلمين. تصوير متحف دنفر للطبيعة والعلوم

 

جولة استماعية للاستفسار التقديري: لعبة المواعدة

بما أن هناك مزيد من القرارات حول التعلم المهني يبدو أنها تؤخذ على مستوى المقاطعة، قررنا تحويل تركيزنا بزيادة جهودنا هناك. وبينما يشارك متحفنا باستمرار المقاطعات، حولنا مزيد من وقتنا تجاه بناء علاقات أقوى مع منسقي العلوم بشكلٍ أساسي في منطقة دنفر-مترو من أجل الحصول على فهمٍ أفضل لأولويات المقاطعة واحتياجاتها. ونحن نعرف بعض هؤلاء المنسقين جيدًا، بينما نعرف آخرين أقل؛ ولكن بغض النظر، فقد أردنا معرفة هؤلاء الأشخاص بشكلٍ أفضل. في الأساس، فعلنا ما يفعله معظم الأشخاص عندما يبحثون عن علاقة واعدة؛ فبدأنا «المواعدة» مجددًا.

فتواصلنا شخصيًّا مع منسقي العلوم، وسألناهم عمّا يبقيهم مستيقظين ليلًا، وعمّا يتحمسون له كثيرًا، وقد استمعنا لهم بآذان فضولية ويقظة. اتّبعنا مناهج الاستفسار التقديري لسؤالهم أكثر عمّا تخيلوه لمعلميهم (ميلر، 2004). وبينما كنا نستمع، أولينا انتباهًا كبيرًا للشراكات المحتملة، باحثين عن أشخاص ومقاطعات يسهل العمل معهم، ويهتمون بما يقدمه المتحف. كان هذا تحولًا بسيطًا ولكن ذا معنى بالنسبة لنا، مما سمح بوقت إضافي للإنصات قبل وضع أية مقترحات أو مخططات.

ولقد تعمدنا أيضًا توفير دعمًا ذا تكلفة قليلة أو مجانيًّا لمعارفنا من المقاطعة للمساعدة على إبقاء تلك العلاقات. جاء هذا بأشكالٍ عدة، مثل جلسات التطوير المهني المجانية لأيام الخدمة، وتخصيص مساحات لتدريبات المقاطعة، وتصريحات دخول المتحف للمناسبات المدرسية. وبينما استمرينا في بناء ثقة أكبر، فاجأتنا صراحة منسقي العلوم وصدقهم معنا – ولا يزالون كذلك – فأعطونا مدخلًا إلى آمالهم ومخاوفهم المتعلقة بعملهم. وقد خدمنا هذا النهج جيدًا لأن الشراكات القوية فرصها في النجاح أكبر عندما نبني علاقات صحية وقائمة على المعرفة، وذلك قبل ظهور التمويل بكثير، وليس عند البدء في مشروعٍ ضخم.

 

معلمو ويستمينستر يجمعون البيانات حول نثر البذور. تصوير متحف دنفر للطبيعة والعلوم

 

إنشاء روابط استراتيجية من خلال الشراكة

بينما كنا نبني الثقة مع المقاطعات المدرسية ونتعرف على احتياجاتها، كنا نتواصل في نفس الوقت مع خبراء التعليم، على الصعيدين المحلي والقومي. كنا استراتيجيين في تلك الجهود؛ فتواصلنا مع خبراء محددين تعاملنا معهم سابقًا في المؤتمرات أو قابلناهم نتيجة للأولويات التي سمعناها من قيادات مدارس المقاطعات. فلاحظنا أن احتياجات المقاطعات تتطلب منا عادةً مد خبراتنا وطلب الدعم خارج المتحف. ويسمح لنا دورنا، بصفتنا معلمين غير رسميين، أن نكون أخف حركة في إنشاء العلاقات مع رواد العلوم من نظرائنا في التعليم الرسمي. وقد عززنا شبكاتنا آخذين موقفًا جريئًا في طلب الدعم، والنصيحة، والتدريب، والتعاون، وكل هذا ساعد على ترسيخ معرفتنا ووعينا بالظواهر التعليمية. فعلى سبيل المثال، لمزيد من التدريب على المعايير العلمية للجيل المقبل، تواصلنا مع الجمعية القومية لتدريس العلوم، والمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي، ومنسقي العلوم بالمقاطعات في كاليفورنيا. لنتعلم أكثر عن ممارسات علمية محددة وفعالة، مثل النمذجة العلمية، تواصلنا مع معلمين ظهروا في مقاطع فيديو على منصة «تيتشنج تشانل» (قناة التعليم). ومن خلال دعم جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا، تشاركنا مع مؤسسة ويد لتعليم العلوم في كوينسي بولاية ماساتشوستس لقيادة عدة جلسات ورش عمل حول التطوير المهني الفعال لمجتمع جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا، بالتركيز على التواصل مع عديد من القيادات في المجال.

كل تلك الجهود ساعدت على تقوية وتعزيز قدرتنا على توفير تعلم مهني أكثر فاعلية، ووضعتنا على الطريق إلى مشروعات أكبر وأبعد أمدًا وكذلك فرص أكثر للتمويل. فعلى سبيل المثال، بدأت شراكتنا مع مدارس دنفر العامة ببدايات متواضعة أخذت تنمو إلى الحد الذي جعلنا في موضع جيد للاستمرار في دعم مدارس دنفر العامة بصفتنا مورد للتطوير الاحترافي على مستوى المرحلة الإعدادية، بالإضافة إلى حديقة حيوان دنفر وحدائق دنفر النباتية، لبرنامج متعدد السنوات تدعمه مؤسسة كارنجي بنيويورك ويدعى الفائدة الحضرية بدنفر. فزودنا مدارس دنفر العامة برأس المال ودعمناها في تبنيها للعلوم المضخمة لتكون منهج مدارسها الإعدادية، وقد قدمنا عديد من التدريبات للمعلمين في برنامج الفائدة الحضرية، والذي أصبح الآن متوفرًا للمدرسين الثانويين خارج البرنامج، وذلك فضل دعم المقاطعة والتنسيق معها.

وكناتج قيم، أجبرتنا شراكة الفائدة الحضرية على التعمق أكثر في المعايير العلمية للجيل المقبل؛ الأمر الذي استفاد منه جميع شركاء البرنامج عن طريق مشاركة المفردات وفهم كيفية ملائمة المعايير العلمية للجيل المقبل في كل من الساحات الرسمية وغير رسمية. كان هذا بمثابة هدية لنا بصفتنا موردي تطوير احترافي بينما تبدأ كولورادو عملية تطبيق معايير جديدة تعتمد على المعايير العلمية للجيل المقبل. ونتيجة لتلك الشراكة وكخدمة لمجتمع التعليم غير رسمي، يستضيف متحف دنفر للطبيعة والعلوم دورات تدريبية حول المعايير العلمية للجيل المقبل للمعلمين غير الرسميين المحليين؛ وتلك البرامج متوفرة مجانًا بصفتها مسار آخر لبناء المجتمع.

وقد نمت شراكة صغيرة مع مقاطعة منطقة أخرى في مدينة دنفر ذات نسبة عالية من العائلات محدودة الدخل، لدرجة جعلتنا نوسع البرنامج بإضافة جائزة من معهد خدمات المتاحف والمكتبات (MA-10-16-0411-16) باستخدام نموذج؛ حيث يأتي الطلاب من جميع المدارس الابتدائية في رحلات ميدانية مجدولة للمتحف بينما يتلقى معلموهم تدريبًا للتطوير المهني. ولبناء سعة أكبر، تضمن النموذج الممول بمنحة مقاطعة محلية أخرى ذات احتياجات عالية؛ مما سمح لنا بخدمة ما يزيد عن 500 معلم. كجزء من برنامجنا، أحضرنا أيضًا مديري المدارس للحصول على دورات تدريبية مميزة في بداية العام؛ وفي المقابل حصلنا على مردودهم، وكسبنا ثقتهم، واستمعنا إلى أولويات المقاطعات لهذا العام. وعلى الرغم من أن التمويل لهذا المشروع قد انتهى، إلا أن كلا المقاطعتين خصصتا بعض التمويل من ميزانيتيهما لهذا العام بشكلٍ منفصل لمتابعة البرنامج مع المتحف لكل من المعلمين والطلاب.

 

يوم برنامج فائدة العائلة الحضرية بالتعاون مع طاقم عمل متحف دنفر للطبيعة والعلوم، وحديقة حيوان دنفر، وحدائق دنفر النباتية.
تصوير متحف دنفر للطبيعة والعلوم

 

اللعب على نقاط قوتنا

مثلما هو الحال في أي علاقة، هناك مخاطرة في المساومة كثيرًا. فيجب أن نبقي في أذهاننا دائمًا أنه بينما نحن نريد أن نعمق دورنا مع المقاطعات المدرسية المحلية، إلا أننا لا نريد أن نفقد هويتنا وما لدينا لنقدمه. فبأفضل النوايا تأتي بعض المقاطعات إلى طاولتنا ومعها قائمة طويلة بأمور تريد منا تغطيتها مجتهدة للحصول على «أقصى» ما يمكن من التعلم، وهو ما يؤدي إلى التنازل في قيمة ما نقدمه. وفي حالات عدة، اضطررنا إلى وضع حد مع المقاطعات فيما يتعلق بما سوف نتناوله والكم الذي سنغطيه في جلسة التدريب الواحدة. فعرضنا القيم كمؤسسة غير رسمية هو أنه يمكننا جعل التعليم مرحًا مع توفير فرص للتعجب والفضول، ولعرض الموارد والخبرات التي لا تستطيع المدارس توفيرها. نحن مؤهلون لاستكشاف الظواهر والمشاركة في العلوم والممارسات الهندسية بطريقة تقدم نموذجًا لذلك لكل من المعلمين والطلاب. ولكن، كانت هناك أوقات عانينا فيها في عملية تطوير البرنامج؛ كان ذلك عندما نسينا ما هي مناطق قوتنا في مواجهة توقعات المقاطعات مننا.

أعطتنا تلك التعاونات إطارًا عن كيفية بناء شراكات مجتمعية أفضل مبنية على علاقات وثقة مهنية. بشكلٍ مثالي، نحاول الحفاظ على هذا النهج الذي يرتكز إلى الإنسان في جميع أعمالنا المجتمعية في المتحف. وبينما كنا محظوظين وحظينا بقدر كبير من النجاح في إيجاد تمويل وشركاء لدعم عملنا في التعلم المهني للمدرسين، لا يزال هناك ما هو أكثر ويمكننا السعي إليه من خلال تعاونات مستقبلية. فيجب أيضًا أن نأخذ شراكات المجتمع الريفي بعين الاعتبار، وكذلك إجراء جولات استماعية مع لاعبين رئيسيين في تلك المناطق. فيتطلب التقدم إلى الأمام إجراءات أكثر رسمية، بدءًا من معرفة الأشخاص والموارد داخل تلك المجتمعات الريفية.

 

المراجع

Blad, E. (2019, May 14). “When the PD plate is overfull.” Education Week. Retrieved from www.edweek.org/ew/articles/2019/05/15/when-the-pd-plate-is-overfull.htmll

Miller, Carolyn J. (2004). The Nonprofits' Guide to the Power of Appreciative Inquiry. Community Development Institut

 

معلمون يستكشفون دوائر إسفنجية في ورشة عمل تابعة للجمعية القومية للعلوم والتعليم،
وهي واحدة من سلسلة ورش عمل أنشئت بالشراكة مع جميعة مراكز العلوم والتكنولوجيا وكذلك معهد وايد لتعليم العلوم.
تصوير آن هيرنانديز

 


روبرت بايو (Robert.payo@dmns.org) هو منسق برنامج المعلمين بمتحف دنفر للطبيعة والعلوم.