تعزيز تجربة الزوّار المصابين بالتوحد


  نظرة عميقة  

تعزيز تجربة الزوّار المصابين بالتوحد

كتبها:

ديفيد جون

مدير الاتصال المجتمعي

مركز الحياة الدولي

نيوكاسل أبون تاين، المملكة المتحدة

دراسة حالة من مركز علوم

 

| الوقت التقريبي للقراءة: 19 دقيقة

 

هذه المقالة منشورة في مجموعة مقالات سبوكس Spokes بعنوان «المساواة والشمول» Equity and Inclusion

 

في عام 2017، حصل مركز الحياة الدولي للعلوم International Centre for Life القائم في مدينة نيوكاسل أبون تاين في المملكة المتحدة (يُشار إليه في هذا المقال باسم مركز الحياة تسهيلًا) على منحة من صندوق Inspiring Science Fund – وهو برنامج تابع لحكومة المملكة المتحدة ومؤسسة Wellcome الخيرية العالمية – وذلك دعمًا لمشروعه الإبداعي بعنوان «الاستكشافات المبتكرة«.

فمن خلال هذا المشروع، بدأ مركز الحياة رحلته في المساعدة على تنمية رأس المال العلمي [1] في منطقة شمال شرق إنجلترا باستخدام توصيل العلوم بوصفه أداةً للتغيير الاجتماعي والمشاركة المجتمعية. وقد دعم المشروع باستثمار رأسمالي من شأنه أن يؤدّي إلى إنشاء مرفقيْن جديديْن: معرض منطقة الفضاء وجناح مخصص لمساحات الصنّاع في أستوديوهات الصناعة.

ودعمًا لهذا الاستثمار الرأسمالي، وُضع برنامج للتواصل المتعمق مع فئات محددة ممن لا تحصل على حقها في التمثيل، كانت إحداها «الصغار المصابون باضطرابات طيف التوحد«. وجزءًا من مهمتي المبتكرة حديثًا بصفتي مدير الاتصال المجتمعي، كان عملي مع مجتمع التوحد الشمالي الشرقي North-East Autism Society؛ لتعيين مجموعة استشارية من الصغار المصابين بالتوحد، ثمّ العمل مع هذه الفئة لمساعدة مركز الحياة، وإلهام التصميم، والمعروضات، والبيئات الخاصة بمعرض الفضاء وأستوديوهات الصناعة.

وفيما يلي سردٌ لما اكتشفته على مرّ سنتيْن أمضيتهما في شمول الزوّار الصغار المصابين بالتوحّد ضمن مركز الحياة، ومجموعة متنوعة من أفضل الممارسات المنتقاة من الزملاء في مراكز العلوم حول العالم.

 

لماذا يعدّ هذا أمرًا مهمًا؟

يُعاني الأشخاص المصابون بالتوحد وغيرها من الاضطرابات الخفية حرمانًا من الرعاية في العالم الحديث. ورُغم التنوع الضخم في هذه الحالات المرضية، إلّا أنّها عادةً ما تقود إلى مشكلات في فهم الآخرين، أو التنقّل بين البيئات المختلفة، أو إدراك المحفّزَات الحسية المختلفة. وتشير الأقاويل إلى أنّ العلوم قد تكون جذّابة على نحو خاص لبعض أعضاء هذا المجتمع، ولكن عادةً ما تكون بيئات مراكز العلوم مفرطة في التحفيز أو أنّها تفرض عوائقًا أخرى تجعل قضاء الوقت فيها لهؤلاء الأفراد مستحيلًا.

يقضي الأشخاص المصابون بالتوحد معظم حياتهم وفقًا لما يمليه عليهم المختصون حول ما يحتاجون إليه وما يفعلونه؛ ما يجعل الخطوة الأهم التي قد يتّخذها المركز تتمثل في الحديث مع الناس مباشرة والاستماع إلى تجاربهم. ولأنّ التوحد حالة تستمر مدى الحياة، يجب علينا أن ندرك أيضًا الأثر الذي يمكننا أن نتركه في حياة البالغين فضلًا عن الأطفال وصغار السن من زوّارنا.

خلال هذا المشروع، عرفنا عن العزلة التي شعر بها عديد من الأطفال والعائلات التي تعاني من التوحد. فأظهرت الأبحاث رابطًا إيجابيًا بين رأس المال الاجتماعي، وعدد العلاقات الاجتماعية للفرد وقوّتها، والنتائج الإيجابية للصحة والتعليم. فإذا استطعنا تعزيز رأس المال الاجتماعي للصغار المصابين بالتوحد، ستشكّل هذه خطوة مهمة نحو طموحاتنا المشتركة بشأن التعليم.

خلال العقد الماضي، تمثّلت النسبة المسجّلة في المملكة المتحدة لعدد المصابين بالتوحد بإصابة واحدة بين كل مائة شخص، أو ما نسبته 1٪ من السكّان. وقد عكست عديد من الدراسات التي جرت خلال العقد الماضي زيادة متدرجة وثابتة في معدّل تشخيص الإصابة بالتوحد، مما قد يعني أنّ هذا العدد ربّما تغيّر أيضًا.

 

  2.5 ٪ هو المعدّل الأرجح للإصابة بالتوحد  

 

في سبتمبر 2019، كتب بيتر هيس في مجلة Spectrum أنّ: «معدّل الإصابة في الولايات المتحدة الأمريكية قد ارتفع من 1:91 طفلًا في عام 2009 إلى 1:40 في عام 2017» (أي ما يعادل 2.5٪ من السكان). وباستخدام تقدير الأمم المتحدة للسكان في أوروبا، تعني الإصابة بالتوحد بمعدّل 2.5٪ أنّ ما يزيد عن 18.5 مليون شخص في أنحاء أوروبا مصابون بالتوحد. ويمثّل ذلك العدد جمهورًا كبيرًا لمراكز العلوم في أوروبا إذا ما تمكّنا من تكييفها بما يلائم احتياجاتهم.

 

بناء الثقة في الآخر

عند التفكير في العمل مع مجتمع جديد، قد يصعب تحديد خط البداية. ولم يكن مركز الحياة بأفضل وضع يمكنه من إجراء محادثة مع مجتمع المصابين بالتوحد؛ نظرًا لعدم وجود علاقة راسخة مع قادة المجتمع الذين يمكنهم الشهادة على نواياه الحسنة. وبالاستعانة بشركاء أكاديميين من مشروع معرض سابق، تعرّف مركز الحياة على منظمة مجتمع التوحد الشمالي الشرقي، التي كانت حينها تشكّل صوتًا موثوقًا ومرموقًا ضمن المجتمع المحلي للمصابين بالتوحد.

ومن خلال منتداها المغلق على موقع فيسبوك، سألت منظمة مجتمع التوحد الشمالي الشرقي عمّا إذا كان أولياء الأمور يرغبون في جلب أبنائهم للقاء العاملين من مركز الحياة بهدف إرشاد تطوير بعض المعارض الجديدة. فقبلت عشر عائلات بالعرض، وتم تحديد تاريخ أول لقاء في بداية شهر مايو 2018.

 

كيري ومجموعة e=mc2 ينظرون إلى المعروضات في قسم العقل، كجزء من مشروع مركز الحياة من أجل المصابين باضطرابات طيف التوحد.

 

خلال هذا اللقاء الأول، استطاعت ست عائلات فقط الحضور. وتمثّلت الغاية من هذا اللقاء في إتاحة الفرصة للصغار الذين لم يلتقوا يومًا للتعرّف إلى بعضهم بعضًا. فقد يجد الأشخاص المصابون بالتوحد في بعض الأحيان التفاعل الاجتماعي صعبًا، وكان لزامًا إيجاد بيئة مفتوحة ومعزِّزة للثقة. فقرّرنا أن يصطحب أحد أفراد فريق مركز الحياة أولياء الأمور إلى المقهى لشغْلهم في الأثناء التي عملنا فيها أنا وكيري هايكوك – مديرة تنمية الأسرة في مجتمع التوحد الشمالي الشرقي – مع الأطفال الذين تراوحت أعمارهم ما بين 8 إلى 14 عامًا. ولم ندرك حينها أنّ ذلك القرار سيكون قويًّا إلى هذا القدر.

رتّبنا سلسلة من أنشطة كسر الجمود، والتي شملت تشجيع الصغار على كتابة أسمائهم على لوح ورقي ليتعرّف الجميع على الأشخاص الموجودين في الغرفة. وحين لم يرغب الصغار بكتابة أسمائهم، كتبناها نحن لهم. بقي هذا النشاط مستخدمًا عند افتتاح كل لقاء (فالنظام الروتيني مهم جدًّا للأشخاص المصابين بالتوحد).

وفي جزءٍ من تهيئة الصغار لزيارات مستقبلية، أطلعناهم على صور مركز الحياة، مفسّرين لهم الغاية من تلك المجموعة. وبعدها، رغبنا في أن نجعلهم يتحدثون؛ فبدأنا باستدراج أفكارهم حول الطريقة التي يمكن بها لمركز الحياة أن يحسّن تجاربهم. وتكلل ذلك بسؤالنا للصغار عمّا إذا كانوا يرغبون بالإتيان باسم لمجموعتهم، وكانت أفكارهم مفيدة جدًّا. فكان من بين الأسماء: «منعزلو التوّحد» أو «منعزلو السحر»، إلى أن قال أحد الصغار أنه يجب تسميتها e=mc² (معادلة تكافؤ الكتلة–الطاقة)؛ فهي إحدى أهم المعادلات العلمية، ولا بدّ لنا أن نجعل لرموزها معانٍ. وبعد دقائق من التفكير، قال بحماس أنّه يجب أن تعبّر حروفها عن الكلمات Equality Matters and We Care (وتعني: التكافؤ مهم ونحن مهتمون). فلاقى هذا الاسم قبول المجموعة، وهي تُعرف الآن به، ويستخدمه العاملون داخل مركز الحياة. وأخيرًا، رسم الصغار صورًا لتُصنع بها بطاقات أسماء يضعونها للإشارة إلى أنّهم جزءٌ من المجموعة.

 

  سمّت المجموعة نفسها E=mc2 والتي تمثّل اختصارًا للعبارة:  

  Equality Matters and We Care (التكافؤ مهم ونحن مهتمون)  

 

في الوقت ذاته، تبادل أولياء الأمور أطراف الحديث فيما بينهم وهم يشربون القهوة ويتناولون الكعك، مشاركين تجاربهم مع التوحد وتحديات الحصول على الدعم والتفهم. ورُغم عدم معرفتهم ببعضهم سابقًا، شكّلوا بعفوية مجموعة دعم، متفقين على سعادتهم بالعمل معًا للمساعدة على تحسين تجربة زوّار مركز الحياة.

ومما يثير الاهتمام، كان عديد من أولياء الأمور أنفسهم إمّا تم تشخيصهم بالإصابة بالتوحد، وإمّا كان شريكهم مصاب بالتوحد، أو اشتبه بإصابتهم بالتوحد. ولمّا كانت البداية تسعى لتشكيل مجموعة واحدة، أصبح لدى مركز الحياة مجموعتين يمكن العمل معهما والتعلّم منهما.

عندما بدأت أفهم المزيد حول تجارب هذه العائلات، تعرّفت على فيلم قصير اسمه Life of Reilly (حياة ريلي).

ورغم أنّه لا يتجاوز عشر دقائق، إلّا أنّه فتح عيناي على ما يعنيه أن تعيش حياة وسط عائلة متأثرة بالتوحد. فقد سلّط الفيلم القصير الضوء على أهمية الروتين، وما الذي قد يخيب أمل العائلة في نظام يفترض أنّه داعم لهم. هذا وقدّم الفيلم تصوّرًا لشكل نوبة الانهيار؛ إذ فسّرتها كيري بأنّها قد تحدث لأسباب عدّة، وغالبًا ما قد تحدث نتيجة شعور حادّ بالتعرّض إلى كثير من المحفّزات المختلفة. وظاهريًّا، قد يبدو ذلك سلوكًا مختلفًا أو غير طبيعيًّا، لكن من الضروري أن نفهم ما وراء هذا الظاهر. فغالبًا ما يشار إلى نوبات الانهيار خطأً بأنّها سلوك سيء، أو غير منضبط، أو صعب، في حين أنّ الواقع ينبئ بأنّ الشخص الذي يعاني انهيارًا قد فقد السيطرة العاطفية أو النفسية.

وبالتفكير في اللقاء الأول، كنت قلقًا وغير متأكدًا من التوقعات. فبصفتي خبيرًا في المشاركة، اعتدت التعامل مع أشخاصٍ لا يوجد عندهم تحديات، وعلمت من قراءتي أنّ هذه المرة قد تكون مختلفة. فغالبًا ما يتحدث الناس عن «طيف التوحد» أو أنّ شخصًا مصابًا «بطيف التوحد»، إّلا أنّني سمعت أنّ التوحد يختلف من شخص إلى آخر، ولم تكن لدي خبرة شخصية لوضع هذا الاستنتاج في سياقاته. تمنيت متأخرًا لو أنّي شاهدت قبل تلك الجلسة فيلمًا قصيرًا آخرًا بعنوان «ألقِ نظرة داخل عقل طفلٍ مصاب بالتوحد»  Take a Look Inside the Mind of an Autistic Child؛ فأوصي به بشدة لأي شخص يخطط للعمل مع مجتمع التوحد.

 

بناء الثقة في النفس

أردنا أن نبني الثقة لدى أعضاء مجموعة e=mc2. فامتدت لقاءاتنا لمدة ساعة ونصف فقط، وقرّرنا أن نطلب من الصغار التركيز على جزءٍ واحد من مركز الحياة في كلٍ من لقاءاتهم. أُعجِبت كيري بهذا النهج؛ حيث ينشغلون بالكامل في كلٍ من التجارب، وقد يتاح لهم الوقت لمعالجة المعلومات بطريقة هادفة على الصعيد الشخصي.

احتجنا لأن نريَ الصغار أيضًا أنّ أفكارهم مهمة ومسموعة. فخلال 18 شهرًا لاحقًا، استكشف الصغار مركز العلوم بأكمله؛ حيث قدّموا آراءهم بعد كل جلسة للتعبير عمّا أعجبهم وما لم يعجبهم، كما قدّموا اقتراحاتهم حول طريقة تحسين تجربة الزوار.

كذلك شملنا معروضات تستهدف الجمهور الأصغر عمرًا من المجموعة، وقد أشار استمتاعهم بها إلى حاجتنا إلى التفكير فيما إذا كان العمر المعرفي أو الجسدي هو التعريف الأفضل لتوصيات العمر في المواد المنشورة واللافتات.

 

تعزيز تجربة الزوار

أحد نتائج التصميم بشكل شمولي (أي عندما نصمم محتوى أو معروضات لشمول فئات معينة) فإننا نجد أن الأثر الإيجابي ينعكس على كل الزوار وليس فقط على المجموعة المستهدفة. وظهر مثال على ذلك في أحد لقاءات مجموعة e=mc2 الأولى. فعندما سُحِب كرسي على أرضية من البلاط، صدح له صوت صدى فظيع صاخب في الغرفة؛ وقد يجد أكثرنا أنّ هذا أمر مزعج، إلا أنه بالنسبة إلى بعض هؤلاء الصغار لم يكن محتملًا، مما جعلهم يضعون أيديهم على أذنيهم ليسدوا عنها الضجيج. وقد أبقوا أيديهم في مكانها حتّى سألتهم كيري إذا ما أحضروا واقيات الأذن الخاصة بهم معهم؛ وفورَ أن وضعها الصغار، استرخت أكتافهم، وارتاحوا على الفور. من ثمّ قال الصغير: «أنا لا أحب ذاك الضجيج حقًا، ولا أرغب بسماعه مرّة أخرى!»

ما أدهشني هو أن هذا الانزعاج استمر حتّى بعد ذهاب الضجيج. ولطالما جلبت صندوقًا من سدادات الأذن إلى اللقاءات، لكنّي لم أفكر قط في توفيرها أو تقديمها بعد أن انتهى صوت الضجيج لتهدئة الوضع. فأطفالي لا يواجهون تحديات عصبية، مما جعلني أتوقع أنّ المشكلة تنتهي بمجرد توقّف الضجيج؛ ولكن الشخص المصاب بالاضطراب العصبي قد يحتاج إلى الدعم والوقت حتّى يشعر بالراحة مجددًا. وبالتفكير فيما قد نفعله مستفيدين من هذا الدرس، عندما خططنا لإنشاء مرافق جديدة بالكامل، حرصنا على اختيار الأرضيات والكراسي بعناية. ما زال بإمكاننا أن نحدث ضجة، ولكن ليس بحدة وصخب، ما عزّز تجربة زيارة مركزنا للجميع.

 

مجموعة e=mc2 يجرون أنشطة في مختبر علوم الصغار، كجزء من مشروع مركز الحياة من أجل المصابين باضطرابات طيف التوحد. نيوكاسل أبون تاين، المملكة المتحدة.

 

النماذج الأولية للمعارض الجديدة

عندما حان الوقت لأن يختبر أعضاء e=mc2 النماذج الأولية للمعروضات الجديدة، كانت لديهم ثقة أكبر بأنّ مركز الحياة يستمع إليهم. فأطلعنا الصغار وأولياء أمورهم على آرائهم بالنماذج الأولية، مدعومة بالملاحظات عن طريقة تفاعلهم مع المعروضات التي قدّمها باحث الزوّار لدى مركز الحياة.

رُفِضت بعض النماذج الأولية الأولى؛ مثلًا في حال وجد الصغار أنّ فهم التفاعل صعب. وغالبًا ما كان رد فعل أعضاء المجموعة متشابهًا، وأحيانًا أقوى من ردود أفعال الزوار الآخرين للمركز. مع ذلك، لم تحتاج بعض النماذج للتعديل؛ نظرًا لأنّها تناسب هذا المجتمع. ولمّا كانت التعديلات مطلوبة، فإنّها لم تتعد الطفيفة عادة. ومن أمثلة ذلك، تضمنت إحدى الألعاب منافسة لإنشاء الصور باستخدام أشكال مغناطيسية، واشتملت هذه اللعبة بالبداية على مؤقّت دقّاق لتعزيز الشعور بالاستعجال في اللعبة. فأزيل هذا المؤقت لاحقًا بناءً على اقتراح أولياء الأمور نظرًا لأنّ هذا الصوت زاد مستويات الحماس بدرجة أنّ المشاركة المتكررة بهذا النشاط كان يمكن أن تؤدي إلى نوبات انهيار أو فرط تحفيز.

 

  معروضات بسيطة وواضحة + لا فوضى بصرية أو أصوات غير ضرورية + مساحات مريحة  

 

أدمجت التعليقات المقدمة من فريق e=mc2 لاحقًا في عملية التصميم؛ وبفتح المعرضين للجمهور، رأى الصغار بأعينهم أثر آرائهم على المعروضات النهائية. بشكلٍ عام، تعدّ المعروضات بسيطة وواضحة بصريًّا، ولا تتضمن فوضى بصرية أو أصوات لا داعي لها؛ كما تشّكل المساحات بيئات مريحة للجميع، ولا وجود لضجيج مفاجئ أو مفاجآت، مما يجعل تجربة الزوّار العامة أقل تعبًا.

 

بناء مجتمع

عندما انطلقنا بهذه الرحلة، تمثّل الهدف بجمع مجموعة من الصغار المصابين بالتوحد في التأثير على تطوير معروضات جديدة. مع ذلك، ومن خلال العمل مع أفراد مجموعة e=mc2 وأولياء أمورهم، فهمنا أهمية إيجاد الفرص لمجتمع التوحد للاجتماع معًا. ففي أي صف مدرسي تقليدي، يرجّح أن يكون هناك طفل واحد فقط مصاب بالتوحد، ومن ثم تشيع العزلة بينهم.

ومن خلال مشاركة أولياء الأمور آرائهم الفريدة معنا، تمكّنا من تحديد سياقات السلوكيات الفردية للصغار، والتي غالبًا ما تتغيّر من لقاءٍ إلى آخر. فكنا نرى فقط السلوك في كل اجتماع، ولكن أولياء الأمور الذين كانوا يدعمون بعضهم أيضًا شاركونا ما يحدث وراء الكواليس. فخلال السنة الماضية، تعاملت مجموعتنا مع صعوبات تتراوح بدءًا من الحصول على دعم تعليمي لأطفالهم وصولًا إلى تأمين تشخيص رسمي بالتوحد.

 

  أنشطة حسية + وقت عائلي جيد، قد يشكلان دافعًا أعلى قوةً من العلوم ذاتها  

 

ببناء مجتمع يلتقي في مركز العلوم، يندمج الزوّار المصابون بالتوحد مع العلوم، ولكن ذلك ليس الدافع الأساسي للمجيء؛ إذ يقدّم مركز الحياة، بمبناه البارز وسط المدينة، فرصة لإيجاد مساحة آمنة للقاء، والتي تزيد أهمية بالنسبة لمجتمع التوحد. وقد أكّد الزملاء من متحف الابتكار والعلوم Museum of Innovation and Science هذه الفكرة عندما اقترحوا أنّ كلًا من اهتمام الزوار في الأنشطة الحسية وإيجاد وقت عائلي جيد قد يشكّلان دافعًا أقوى من العلوم ذاتها. وبتوفير منصة لهذا المجتمع يعزز من خلالها رأسماله الاجتماعي، نأمل أن نزيد أيضًا رأسماله العلمي مع مرور الوقت.

 

مجموعة e=mc2 تختبر النماذج الأولية لمعروضة الفضاء، كجزء من مشروع مركز الحياة من أجل المصابين باضطرابات طيف التوحد. نيوكاسل أبون تاين، المملكة المتحدة.

 

أفضل الممارسات

من واقع تجربتي وما تعلّمته من الزملاء، أشارككم فيما يلي بعض الأفكار التي قد تساعدكم:

  1. كوِّن قصة بصرية (تسمى أحيانًا دليلًا بصريًّا): تُعرّف هذه الزائر بما يتوقّع إيجاده عند الوصول. وتعدّ الإصدارات الورقية من القصص البصرية الأفضل عند استخدام صور فوتوغرافية يدعمها نص خطي قصير. ويمكن لهذه القصص أيضًا أن تتخذ شكل مقاطع فيديو لجولة في المكان، أو جولات افتراضية. وتشير الإرشادات إلى أنّه ينبغي للدليل البصري أن يُكتب بصيغة المتكلم. ومن الأمثلة الجيدة خاصة على القصة البصرية «رحلتي إلى مركز الفضاء هيوستن – دليل استكشاف النجوم«. وقد ترغب بالتفكير أيضًا في تطوير خريطة حسية؛ وهي خريطة للمركز، تسلط الضوء على المناطق حيث قد توجد مستويات عالية من تحفيز الحواس، مثل المعروضات الصاخبة على وجه الخصوص. ويمتلك مركز العلوم إكسبلورا Explora في البوكوريكي خريطة حسية جيدة إذا ما رغبت بالتعرف على شكلها.
  1. كن حذرًا في الصياغة: تذكّر أن بعض الأشخاص المصابين بالتوحد يفهمون الأشياء حرفيًّا بدرجة كبيرة. حاول تجنّب عبارات مثل: «الآن، نحن ذاهبون إلى الفضاء!»؛ فقد يتوقّع شخص مصاب بالتوحد أنّكم ذاهبون فعليًّا إلى الفضاء.
  1. أنشئ «غرفة تهدئة»: عندما يتعرّض أحد الزوار إلى الانزعاج أو تحفيز حسي مفرط، قد يساعدهم وجود مساحة مخصصة يمكنهم فيها الاسترخاء وتقليل مستويات القلق لديهم. وغالبًا ما يُشار إلى مثل هذه المساحات باسم «الغرف الهادئة»، إلّا أنّ الصغار في مجموعة e=mc2 شكّكوا في هذا الاسم؛ فقد تتمثل استراتيجية التهدئة لبعضهم بإصدار الأصوات المزعجة. وواصل الصغار بأن اقترحوا تسميتها «غرفة التهدئة» تيمنًا بغرضها. ويجب أن توضع التفاصيل حول موقع غرفة التهدئة في الخريطة الحسية. هذا وحدد مركز العلوم في جلاسجو Glasgow في أسكوتلندا ما قد أسموه «الزوايا الهادئة» على خريطتهم الحسية.
  1. اعتمد صيغة سهلة القراءة: إنّ استخدام هذه اللغة البسيطة الخالية من الاصطلاحات المتخصصة، بجمل أقصر، مع صور داعمة عند تقديم معلومات مكتوبة للزوار يسهّل الأمور على الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في فهم القراءة.
  1. وضح ساعات الذروة: تفاجأت حين عرفت أنّ أولياء الأمور في مجموعة e=mc2 يكثرون استخدام متصفح جوجل وخرائط جوجل عند اتخاذ القرار بشأن زيارة أحد الأماكن؛ فهي تعرض رسمًا يشير إلى الأوقات التي يرجّح فيها أن يكون المكان مزدحمًا أو هادئًا، مما يمكنهم من تجنب الأوقات الأكثر ازدحامًا. وبإمكاننا جميعًا مشاركة هذه المعلومات على مواقعنا الإلكترونية.
  1. استثمر في نطاق من الأدوات والمعدات لدعم الزوار المصابين بالتوحد: في حين سيجلب غالبية الزوار أدوات الدعم الخاصة بهم، قد تظهر حالات يكون فيها توفير الموارد في الموقع مفيدًا. وقد يمكّن ذلك أيضًا الأسرة من التعرف على المعدّات التي لا يعرفون بوجودها، وتجربة الأشياء قبل الالتزام بشرائها؛ إذ يتوفّر في الأسواق عديد منها، بما في ذلك: واقيات الأذن، وسدادات الأذن، ودمى الإعانة على التركيز fidgets، والقبعات المثقلة، والبطانيات المثقلة، والنظارات الشمسية، والأجهزة اللوحية، والمؤقتات. وبوجود هذه الأدوات، يجب على العاملين فهم الغرض منها، ويجب أن يدرج ذلك ضمن البرامج التدريبية. وقد طوّرت بعض المنظمات ما يسمّى «الحقائب الحسية»، وهي بالأساس حقيبة ظهر للزائرين، تحتوي مجموعة متنوعة من هذه الأدوات؛ حتّى أنّ متاجر التسوّق المحلية قد استحدثت مثل هذه الحقائب أيضًا.
  1. حقق أعلى مستوى للتأييد: يمثّل تدريب العاملين خطوة أولى جيدة، إلّا أنّ إحداث أي تغيير حقيقي على ثقافة المؤسسة ينطوي على ضرورة دمجه في التخطيط الاستراتيجي طويل الأجل بتأييدٍ من الإدارة العليا ومجلس الأمناء.
  1. نظم فعاليات «حسيّة» أو «هادئة» مخصصة: تتوفّر طرق مختلفة لإقامة مثل هذه الفاعليات؛ فقد يخفض البعض مستويات الضجيج والإضاءة للمعروضات، في حين يقدّم آخرون للزوار أدواتٍ مثل واقيات الأذن والنظارات الشمسية بدلًا من التعديل على المعروضات، للمحافظة على استمتاع الزوّار الآخرين المشاركين في الفعالية بالتجربة التقليدية.

هذا وتشمل النقاط الأخرى التي تحتاج للنظر فيها ما يلي:

  1. غالبًا تقيم المؤسسات فعالياتها الحسية/الهادئة في صباح أحد أيّام الأحد قبل أن يفتح المركز للجمهور، وتتيح غالبيتها الفرصة للزوّار للبقاء بعد انتهاء الجلسة الحسية. (عادةً، تبقى المجموعة في كلّ مرة يأتون بها لفترة أطول، حتّى يظلّوا بالنهاية في جلسة الجمهور.) مع ذلك، علّق أولياء الأمور بأنّ الصباحات المبكّرة قد تكون صعبة فعلًا لتجهيز أطفالهم، ومن ثم فقد لا يكون هذا الوقت الأنسب لتنظيم مثل هذه الفعاليات. هل مجتمع مركز العلوم مذنب باختيار الأوقات الأفضل لاحتياجاته التشغيلية بدلًا مما هو أفضل للزوار المصابين بالتوحد؟ في الولايات المتحدة الأمريكية، حصلت عديد من المؤسسات على رعاية لإقامة فعاليات حسية مفتوحة الحضور، وقد يعدّ ذلك أيضًا وسيلةً لتحقيق جدوى مالية من إقامتها خلال أوقات الدوام الاعتيادية.
  1. يجب وضع حد لعدد حاضري الجلسات الحسية، إذ إنّ جزءًا من جذبها للزوار المصابين بالتوحد يتمثل بألّا يكون المركز مزدحمًا. وتصرّ بعض المؤسسات على قيام المشاركين بالحجز مسبقًا قبل حضور الجلسات، مما قد يفتح المجال أيضًا للحوار ومناقشة الاحتياجات الفريدة للزائر الطفل. وتشير المحادثات المجراة مع الزملاء في القطاع إلى أنّ فقط ما يقارب 50–60% من الأشخاص الذي يحجزون مسبقًا يحضرون بالفعل.
  1. عند إقامة فعالية حسية، يجب تشجيع العاملين على استخدام باب المدخل الرئيسي فقط، وليس مداخل العاملين المتعددة التي تستخدم عادةً؛ وذلك لضمان أنّ الشخص المصاب بالتوحد قادر على رؤية المسار الذي يمشون فيه بوضوح، ويفهم طريقة الدخول والخروج من المبنى.
  1. اتجهت بعض المراكز إلى القطاع التطوعي لدعم فعالياتها الحسية، وخاصة الفئات التي تمتلك خبرة في دعم الأشخاص المصابين بالتوحد. إذ يساعد هذا الوجود على بناء الموثوقية لدى العائلات من خلال إرسال رسالة قوية تفيد بأنّ مركز العلوم قد استشار مصادر موثوقة. كذلك يمكن لهذا الوجود أن يعزز الثقة بين فرق العاملين، فربمّا لم تتسنَ الفرصة لبعضهم مطلقًا للتعامل مع مجتمع التوحد. إضافة إلى ذلك، تعدّ جلسات الإحاطة واستخلاص المعلومات مفيدة للعاملين من المؤسسة الشريكة؛ فتتيح لهم الوقت لطرح أي أسئلة قد تجول في ذهنهم.
  1. فيما يتعلق بمراكز العلوم ذات المساحات المغلقة، كالقباب السماوية والمسارح، يوصى بترك الأبواب مفتوحة طوال الوقت. فترك الأبواب مفتوحة، حتّى أثناء عدم وجود عروض قائمة، يسمح للزوار باستكشاف الغرفة، مما يمكّنهم من الاستعداد للعروض القادمة. كذلك فإن ترك الأبواب مفتوحة خلال العروض الهادئة يسمح للزوّار بأنّ يشعروا بقدرتهم على القدوم والذهاب كيفما يشاؤوا أثناء العرض؛ وقد يرغبون أيضًا في الوقوف على الباب للتفكير فيما إذا كانوا يودون الدخول أم لا. هذا وقد تُخفَض الأضواء في القبة السماوية أو المسرح بهدف خلق تجربة حسية للجميع، إلّا أنّ الزوّار المصابين بالتوحد قد يجدوا التعايش مع مثل هذه التجربة أمرًا صعبًا. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّه قد يقف الزوّار أثناء العرض، أو يتحدثون عمّا يرونه، أو يخلعون أحذيتهم، أو يستلقون على الأرض.
  1. في أمريكا، يُقدَّم سانتا كلوز غالبًا على أنّه شخص عالي الصوت، ومرح، ويدقّ الأجراس، ويلبس رداءً أحمرًا فاقعًا. قد يجد بعض الأشخاص المصابين باضطراب عصبي التجربة الكاملة للقاء سانتا كلوز طاغية حسيًّا، ما تسبب للبعض بنوبات انهيار. فقدّم متحف Imagine Children’s Museum الموجود في بوسطن بهيوستن اقتراحًا حول إمكانية لقاء الناس بسانتا على طريقتهم؛ فلديهم ما يسمونه «سانتا الحسّي». يأتي سانتا الحسي فعالياتهم الحسية الخاصة، وبدلًا من أن يكون صاخبًا، يجلس هادئًا في مكان مخصص. تُطلَع المجموعات الزائرة على مكان سانتا الحسي ليتمكنوا من تجنّب تلك المنطقة أثناء الزيارة إذا ما رغبوا بذلك. وإن رغبوا بلقائه، يحافظ سانتا الحسّي على التحدّث بهدوء، ويمكن للزوار أن يتواصلوا مع سانتا على طريقتهم، والتقاط الصور معه.
  1. يُقدّم متحف الاستكشاف الموجود في أكتون بماساتشوستس تجربة غير اعتيادية للمجتمع؛ فقد جرّبوا تهيئة أمسية هادئة تقضيها الأسرة في الخارج. وكجزءٍ من ذلك، أتاحوا الفرصة للعائلات لتناول الطعام معًا؛ فبذلك تتاح الفرصة للعائلة ليس فقط لاستكشاف العلوم، وإنّما أيضًا لتناول الطعام معًا في مساحة خالية من الأحكام. وفي هذه الفعاليات، يمكن للعائلات إمّا أن تشتري طعامها هناك أو أن تجلبه معها. ويعدّ خيار جلب الطعام مهمًا على وجه الخصوص؛ فبعض الأشخاص يأكلون أصنافًا محددة فقط من الطعام، ناهيك عن تناولهم لأطعمة من علامات تجارية مختلفة. ويُظهر استحداث مثل هذه الأنشطة فهم احتياجات المجتمع بوضوح.

 

الخطوات التالية

كانت هذه رحلة تعلّم ممتعة بالنسبة لي ولمركز الحياة، وهي لم تنتهِ بعد؛ إذ سيواصل مركز الحياة العمل مع مجتمع التوحد في منطقة شمال شرق إنجلترا والصغار من مجموعة e=mc2 على مرّ السنين القادمة؛ حيث نأمل بتعزيز تجربة زوّاره أكثر فأكثر.

 

  يرى الصغار في مجموعة e=mc2 عضوية المجموعة جزءًا مهمًا من هويتهم  

 

يرى الصغار في مجموعة e=mc2 عضوية المجموعة جزءًا مهمًا من هويتهم؛ فلأول مرة في حياتهم لهم أثر، وقد لاحظ أولياء أمورهم التحسّن في المزاج والثقة بالنفس. وبالنسبة لأولياء الأمور، فرُغم استمرار صراعهم اليومي، إلّا أنّ شعورهم بالعزلة قد تبدد.

واستفادةً من التعلّم المتحقّق حتى الآن، يستضيف مركز الحياة أولى فعالياته واسعة النطاق لمجتمع المصابين بالتوحد في مطلع شهر فبراير 2020. ويروّج إلى هذه الفعالية باعتبارها فعالية حسية؛ لتصبح لاحقًا نشاطًا شهريًّا منتظمًا. وإنّنا نأمل أن تتسع المنافع الإيجابية التي لمسها أعضاء مجموعة e=mc2 لتشمل هذا الجمهور الأكبر حجمًا.

 

[1] رأس المال العلمي مصطلح يستخدم لقياس علاقة شخص ما بالعلوم وطريقة اتصالها بحياته؛ ويأخذ المصطلح في الاعتبار التجارب السابقة والمستقبلية للزوار مع العلوم في مختلف أنواع السياقات (المدرسة، العائلة، التلفاز، ... إلخ). ومثلما كتب سيكينز وكينغ عند استحداث المفهوم في سبوكس؛ فإنّ رأس المال العلمي «يتضمن التأثيرات المختلفة التي قد تتركها تجارب الشخص على هويته العلمية ومشاركته في أنشطة تتعلق بالعلوم». وهي أداة مفيدة لإشراك الجماهير المختلفة، بما في ذلك الفئات التي يصعب الوصول إليها عادةً.

 

 

 

ديفيد يشاهد الصغير وهو يجري إحدى التجارب

أولياء الأمور والصغار يجرون الأنشطة في منطقة التجارب

أعضاء e=mc2 وديفيد (أقصى اليمين) وكيري (في الوسط ترتدي قبعة حمراء

أعضاء e=mc2 وأولياء أمورهم يختبرون النماذج الأولية لأستوديوهات الصناعة

 


نُشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية في العدد رقم 59 (يناير، 2020) من مجلة «سبوكس» Spokes الإلكترونية التي تصدرها رابطة مراكز ومتاحف العلوم الأوروبية Ecsite تحت عنوان: «على طريقتهم الخاصة» Their Way، ويمكنكم الاشتراك مجانًا في مجلة «سبوكس» من هنا.

قامت رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط NAMES بترجمة المقال ونشره باللغة العربية بتصريح من رابطة مراكز ومتاحف العلوم الأوروبية ومن المؤلف/المؤلفين، وتتحمل NAMES مسئولية هذه الترجمة.

لا يجوز إعادة إنتاج هذا المحتوى، سواء بالإنجليزية أو العربية، بأي شكل من الأشكال، دون الرجوع إلى رابطة مراكز ومتاحف العلوم الأوروبية Ecsite.