هل يمكن لفيروس أن يجعلنا أعداءً؟


بقلم: هايكي وينترهلد - 13 أبريل 2020

 

منذ أن ظهر فيروس كورونا المستجد في مدينة يوهان الصينية في شهر ديسمبر الماضي، وصل الفيروس المتسبب في مرض كوفيد-19 التنفسي إلى جميع القارات تقريبًا، وانتشر في جميع الولايات المتحدة الأمريكية مع ظهور حالات جديدة يوميًّا.

ومع انتشار الفيروس من الصين إلى باقي أنحاء العالم، زادت التقارير حول المضايقات ضد الآسيويين والهجوم عليهم عالميًّا. والارتفاع الحاد في العداوة ضد مجموعات عرقية معينة أثناء جائحة ليس أمرًا جديدًا؛ فعادةً ما يعكس ذلك «رهاب الغرباء» – وهو الخوف أو النفور ممن نعدهم أجانب أو دخلاء علينا. وقد تشمل ردود الأفعال المرتبطة برهاب الغرباء: التعصب (مشاعر ومواقف سلبية نحو مجموعة معينة)، والتمييز (المعاملة غير المنصفة للآخرين بناءً على انتماءاتهم). فماذا إذًا يشعل رهاب الغرباء؟ وماذا يمكننا عمله حياله؟

 

ما الذي يسهم في رهاب الغرباء؟

هناك عدة عوامل قد تتسبب في رهاب الغرباء، وغالبًا ما تجتمع تلك العوامل معًا؛ فردود الأفعال المرتبطة برهاب الغرباء أثناء الجائحة قد يدفعها الخوف من المرض، أو المعتقدات العنصرية، أو كلاهما. فإذا كان لدى الأشخاص معتقدات سلبية حيال مجموعات معينة قبل الجائحة، قد يصبحون أكثر استعدادًا لاعتبار أعضاء تلك المجموعات حاملين للمرض ومهددين للصحة. ومع ذلك، قد ينشأ رهاب الغرباء أيضًا في الأشخاص الذين ليس لديهم معتقدات سلبية حيال مجموعة عرقية معينة.

 

محاباة المجموعة ذاتها: غريزة تفضيل «نحن» عن «هم»

إن حياة المجموعة - على الأرجح - كانت ضرورية لأسلافنا للبقاء على قيد الحياة. وهذا يشير إلى أن البشر قد تطوروا ليقدِّروا المجموعات التي ينتمون إليها بشكل كبير، وللتصرف بطرق تفيد مجموعاتهم أكثر من غيرها. تسمى تلك النزعة «التحيز للمجموعة»، وتظهر الأبحاث أن الأمر لا يستلزم الكثير لتفعيل تلك النزعة؛ فالبشر ينقسمون إلى مجموعات سريعًا، حتى ولو على أساس معايير اعتباطية، ويظهرون معاملة تفضيلية حيال مجموعتهم الشخصية.

 

تستكشف معروضة «الأحمر مقابل الأزرق» في الإكسبلوراتوريوم محاباة المجموعة ذاتها.
اختر فريقًا، أحمر أو أزرق، ولاحظ أيًّا منهما يمكنه الحصول على أعلى درجة بكبس أزرارهم أكبر عدد من المرات.
يمكنك بسهولة الانضمام إلى أي من الفريقين في أي وقت وإفادة المجموعة الأخرى؛ ولكن، هل تفعل؟ أم أنك ستظل مع «مجموعتك»؟

 

فيسهل الانسياق إلى عقلية «نحن مقابل هم» (وهو ما قد يكون ممتعًا، في لعبة تنافسية!)، ولكن تلك النزعة لا تؤدي عادةً إلى الخوف أو النفور من أعضاء المجموعات الأخرى، طالما نشعر بالأمان وتُلبى احتياجاتنا الأساسية. مع ذلك، عندما نواجه تهديدًا لبقائنا، مثل الصعوبات الاقتصادية، أو تفشي مرض ما، قد نرى أن أي شخص نعده غريبًا عنا مصدر خطر على معيشتنا أو صحتنا؛ وقد يؤدي التحيز للمجموعة إلى ردود أفعال مرتبطة برهاب الغرباء.

 

الجهاز المناعي السلوكي: الخوف من الجراثيم قد يعزز الخوف من الناس

على الأرجح أنك على دراية بالجهاز المناعي العضوي، والذي يتكون من أعضاء، وأنسجة، وخلايا، ويحمي الجسم من الجراثيم مثل الفيروسات والبكتيريا. مع ذلك، يقترح علماء الاجتماع أن لدينا أيضًا جهازًا مناعيًّا سلوكيًّا يساعد على تقليل خطر العدوى عن طريق تعديل ردود أفعالنا النفسية.

أحد ردود الأفعال تلك يتعلق بتفادي الأشخاص الذين يمكنهم إصابتنا بالعدوى؛ ولكن، كيف لنا أن نعرف من هم الذين علينا تفاديهم؟ فأحيانًا يكون المرضى ظاهرين بوضوح، ولكن في أغلب الأحيان لا يمكننا التأكد. بالنسبة لأسلافنا، زاد التواصل مع الغرباء من فرص التعرض لأمراض قد لا يكون لديهم مناعة ضدها بعد، فكان من الأصلح لهم الابتعاد عن هؤلاء الغرباء. من هذا المنطلق، قد يكون رهاب الغرباء رد فعل تكيفي متطور ساعد أسلافنا على البقاء، وما يزال ينشط حتى اليوم عندما نقلق حيال الأمراض المعدية. ويأتي الدعم لوجهة النظر تلك من التجارب التي تظهر زيادة في ردود الأفعال المرتبطة برهاب الغرباء عندما يشعر الناس بأنهم عرضة لمرض معدٍ، مقارنة بالمخاطر الصحية التي لا ترتبط بالمرض، مثل الحوادث.

 

الاستدلال والتحيز المعرفي: سوء تقدير الخطر والناس

قد يكون رهاب الغرباء نتيجة محاولة فهم العالم؛ فعندما لا يكون لدينا ما يكفي من الوقت أو عرض النطاق، نستخدم الاستدلال – الاختصارات الذهنية – مثل الاستدلال بالتوافر، أو الاستدلال التمثيلي، والتي قد تساعدنا على تقييم المواقف سريعًا، ولكنها كذلك تحيز أحكامنا وتؤثر في قراراتنا.

وفي أثناء الجائحة، تؤدي وسائل الإعلام دورًا في ذلك؛ على سبيل المثال، من خلال استخدام الصور الشائعة لآسيويين يرتدون الأقنعة الطبية، أو الأقوال التي تربط الفيروس بالصين. لذلك، فعندما نستخدم الاستدلال – أو نصدر الأحكام سريعًا – قد نسيء توصيف أي شخص يبدو آسيويًّا (حتى وإن لم يكن صينيًّا) ونعده حاملًا للمرض. وعندما نفعل ذلك، نغفل حقيقة أن العرق مؤشر ضعيف على خطر الإصابة؛ فأغلب الآسيويين الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية أو يزورونها، لم يسافروا مؤخرًا إلى المنطقة التي تفشى فيها الوباء لأول مرة، ولم يخالطوا أي شخص فعل ذلك.

ولا تؤجج الأحكام الانحيازية المخاوف غير الضرورية، وتروج لردود الأفعال المرتبطة برهاب الغرباء فحسب؛ بل تدفعنا أيضًا لاتخاذ قرارات صحية سيئة؛ على سبيل المثال، قد نعتقد خطأً أن تفادي أعضاء مجموعة عرقية معينة يقلل من خطر العدوى، ونكون أقل حرصًا حيال الوسائل الوقائية التي تقلل بالفعل من الخطر، مثل ارتداء الأقنعة الطبية، والحفاظ على مسافة آمنة من جميع الناس.

 

قد تدفعنا الاستدلالات والانحيازات إلى الافتراض خطأً أنه يجب علينا تفادي أناس معينين للبقاء في أمان.
مع ذلك، فإن أحد أفضل الوسائل الوقائية هي الحفاظ على مسافة آمنة من جميع الذين لا يعيشون معنا في المنزل نفسه.

 

كيف يؤثر رهاب الغرباء فينا؟

لا يوجد أدلة مقنعة تشير إلى أن رهاب الغرباء يقلل من معدلات العدوى. فبينما وفر رهاب الغرباء بعض الحماية الصحية لأسلافنا في الماضي التطوري، فالأرجح أن يكون له تأثير سلبي للغاية في المجتمعات الإنسانية الحديثة.

على سبيل المثال، يتسبب رهاب الغرباء في الألم الاجتماعي لدى المستهدفين به؛ وللأسف، نحن نميل إلى التقليل من شأن آلام المعاناة الاجتماعية؛ مما يشير إلى أننا قد لا نشعر بالتحفيز لرفع تلك المعاناة عن الآخرين. إن الصلة بين العزل الاجتماعي والنتائج السلبية لكل من الصحة النفسية والجسدية صلة قوية، والتكلفة الاقتصادية عالية. وفي أثناء الجائحة، حيث يكون تطبيق التباعد الاجتماعي إلزاميًّا، يشعر معظم الناس ببعض الألم المرتبط بالعزل؛ إلا أن هؤلاء المستهدفين برهاب الغرباء يحملون عبئًا إضافيًّا من جرَّاء وصمة العار والنبذ.

ومن شأن تعبيرات رهاب الغرباء أثناء الجائحة إخراج أفكار نمطية جديدة، أو تعزيز الأفكار النمطية الموجودة بالفعل. فأحيانًا نعتمد على «الأفكار النمطية» – أو المعتقدات العامة حول أعضاء مجموعات معينة – لفهم الآخرين، وبالأخص عندما لا نعرفهم شخصيًّا. وقد يخلد رهاب الغرباء المتسع الانتشار، بوصفه رد فعل لجائحة كوفيد-19، الأفكار النمطية العرقية، بل قد يضفي الشرعية على التحيز والسلوك التمييزي، خاصةً بين هؤلاء الذين يحملون بالفعل معتقدات سلبية حيال مجموعات عرقية معينة.

 

تدعو معروضة «لا تفهمني فهمًا خاطئًا» في الإكسبلوراتوريوم الزوار لاستكشاف الأفكار النمطية التي قد يحملونها
حيال مجموعات معينة من الناس ومراجعة تلك الأفكار.

 

أخيرًا، يمكن لرهاب الغرباء فعليًّا التأثير سلبًا في الصحة العامة؛ إذ إن الأشخاص الذين يخشون ربطهم بفيروس كورونا المستجد ووصمهم بالعار، قد لا يسعون لإجراء الفحوصات، أو يترددون حيال السعي للحصول على الرعاية الطبية عندما تظهر عليهم الأعراض.

 

كيف نتغلب على رهاب الغرباء؟

لتقليل رهاب الغرباء، علينا معالجة العوامل التي تشعله؛ على سبيل المثال، إذا كان يدفعه الخوف من العدوى، قد يمكننا تقليله بجعل الناس يشعرون بحماية أكثر، وإذا كانت تدفعه الأفكار النمطية، يمكننا مساعدة الناس على مراجعة معتقداتهم. فيما يلي بعض ما يمكن عمله لتقليل رهاب الغرباء في أنفسنا وفي الآخرين:

  • يمكن أن تكون الأفكار النمطية نقطة البداية للتحيز والتمييز، وحتى خطاب الكراهية والجرائم؛ فيمكننا تفادي ذلك بتحدي تلك الأفكار النمطية. وأفضل طريقة لفعل ذلك هي التعرف إلى الناس بصفتهم أفرادًا؛ فعندما نفعل ذلك، غالبًا ما نعرف أمورًا شخصية مفاجئة لنا عنهم تجعلنا نراجع أفكارنا الشائعة حيالهم.
  • تذكر أن الاستدلال والتحيزات قد تشوش على الدقة، ولكنك لديك القدرة على تجاوزها. فعندما تشك في أن شخصًا ما لا تعرفه قد يكون حاملًا للمرض، اسأل نفسك ما مدى إمكانية أن يكون بالفعل حاملًا للمرض؟ وما المعلومات التي تستند إليها في وضع افتراضاتك؟ لا تستخدم العرق أساسًا لتقديرك؛ فإنك - على الأرجح - مخطئ.
  • أبلغ عن المضايقات التي تتعرض لها أو تشهدها. وعبِّر عن مخاوفك عندما تسمع أو ترى أمرًا يعكس معتقدات انحيازية أو عنصرية.
  • كن يقظًا فيما يتعلق بما تنشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ فحتى عندما نحاول التقليل من رهاب الغرباء، قد نسهم في نشره دون قصد باستخدام صور أو أقوال متحيزة. 
  • اغسل يديك (كثيرًا!) وحافظ على مسافة آمنة (من الجميع!)، وذكِّر الآخرين بأن يفعلوا المثل. قد يساعد ذلك على تقليل رهاب الغرباء أيضًا؛ فتشير الأبحاث إلى أن الوسائل الوقائية – مثل غسل اليدين – من شأنها تخفيف المخاوف حيال المرض، وتحسين المواقف نحو من نعدهم غرباء.

ذكر نفسك والآخرين بإنسانيتنا المشتركة؛ فهذه أزمة صحية عامة وجماعية علينا معالجتها معًا. فعندما نشعر بالتواصل والتماثل مع كل الناس، عوضًا عن مجتمعنا وبلدنا فقط، يصعب الشعور برهاب الغرباء نحو أي شخص.

 

تساعد الإجراءات الوقائية مثل غسيل اليدين على التخلص من الجراثيم،
وتمنحنا إحساسًا بالحماية قد يقلل من التحيز ضد من نعدهم غرباء.


 

 

Exploratorium, 2020

by the Exploratorium 2020 ©