لغة الإشارة: تحديات وفرص


بقلم: إيناس عيسى

من السهل أن تطلب من شخص ما إعادة صياغة جملة لا يمكنك فهمها حتى تفهم ما يريد قوله بالضبط. قد يعدل بعض الأمور، مثل استخدام كلمات أكثر دقة وربما يستخدم لغة الجسد لتوصيل رسالته وتكثيفها. فمن الضروري في التواصل أن تملك الأدوات التي تسمح لك بالتعبير عن أفكارك ونقل المعنى بدقة. ومع ذلك، فإن الأمر ليس بهذه السهولة بالنسبة إلى الجميع.

في بعض الأحيان يتبين أن اللغة هي العائق الذي يحول دون توصيل الرسالة؛ وهو صراع يواجهه عديد من الطلاب الصم الذين لديهم القدرة على دراسة العلوم وامتهانها. وهذه مشكلة متعددة الأوجه تنبع من عدم وجود إشارات مكافئة لعديد من المصطلحات العلمية في لغة الإشارة التي يعتمد عليها الطلاب الصم بشكل أساسي للتواصل. هذه المشكلة تعيق رحلتهم في المجال العلمي، إلى جانب عزل العلماء الصم عن أقرانهم ممن يسمعون.

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي هذا إلى تحدٍ آخر؛ فعندما يتخصص عدد أقل من الصم في العلوم تكون النتيجة عدد أقل من العلماء المتخصصين الصم. فيصبح هذا الأمر محبطًا للطلاب الصم الآخرين عندما لا يرون أشخاصًا يتواصلون بطريقتهم، مما قد يجعلهم يفترضون أنه من المستحيل عمل ذلك.

لمساعدة هؤلاء الطلاب على النجاح في تعلم العلوم ومتابعة شغفهم بدون قيود عديدة، يجب بذل الجهود بطرق مختلفة في تعزيز مواد الدراسة، وتطوير بيئة أفضل، وتطوير مزيد من الإشارات المكافئة للمصطلحات العلمية.

 

المواد الدراسية

هناك نقص في المواد الدراسية التي تناسب احتياجات الطلاب الصم؛ فيعد تطوير مواد علمية إضافية مكتوبة تمكن القراء الصم الأصغر والأكبر سنًّا من القراءة أمرًا ضروريًّا لزيادة استمتاع الطلاب الصم وتعلمهم لمفاهيم العلوم. ويجب أن يبدأ هذا من مراحل التعلم المبكرة، مما يجعل رحلة التعلم الخاصة بهم تتدفق بسلاسة أكبر دون كثير من الانقطاعات.

على سبيل المثال، تكتب بعض كتب العلوم بمستويين أو ثلاثة مستويات أعلى من مستويات قراءة الطلاب فلا يتمكنون من قراءتها. ويعالج بعض معلمي العلوم هذه المشكلة عن طريق إعادة كتابة أقسام من كتب العلوم ليقرأها الطلاب. هذه طريقة واحدة لمعالجة المشكلة ولا يزال يتعين عمل المزيد.

 

مساحة الصم

لمساعدة الطلاب الصم على الازدهار في العلوم، من الضروري أولًا إعداد البيئة التي تجعل المعلومات في متناولهم بصريًّا وتعزز قدرتهم على استيعاب المعلومات والتواصل بشكل جيد. هنا، تبرز أهمية مفهوم «مساحة الصم» أو DeafSpace.

تستخدم «مساحة الصم» خمسة مفاهيم رئيسية: المدى الحسي، والمساحة والقرب، والتنقل والقرب، والصوتيات مع مراعاة لغة الإشارة المرئية التي يتواصلون بها.

وتشير إلى إزالة الحواجز المعمارية والمادية، وتوفير الإضاءة الكافية في الفصل الدراسي. كذلك يتعلق الأمر بإزالة الضوضاء المرئية المتجسدة في كثير من الألوان أو الأشياء حتى يمكن للأطفال الصم رؤية الإشارات حولهم من المعلمين وأقرانهم.

 

لغة إشارة العلوم

يمثل العثور على طريقة لفهم المصطلحات العلمية بلغة الإشارة تحديًّا آخر بالنسبة إلى الطلاب الصم. فيعج العلم بالمصطلحات المعقدة والرموز والاختصارات، وكثير منها لا يحتوي على معادلات في لغة الإشارة. هذا يعني أن الطلاب الصم ومعلميهم والمترجمين الفوريين بحاجة إلى إنشاء إشارات لهذه الكلمات.

على الرغم من أن استخدام هجاء الأصابع والارتجال ووصف معنى الكلمة في عدة إشارات في هذه الحالات يبدو حلاً مرضيًّا إلى حدٍّ ما، إلا أنه من المتعب جدًّا بالنسبة إلة الطلاب الصم تلقي معلومات معقدة بهذه الطريقة. وأيضًا، في المجالات المتخصصة للغاية، لا يمتلك المترجمون الفوريون في بعض الأحيان المعرفة الكافية، ما يجعل من الصعب استخدام الإشارات الدقيقة، ويؤدي إلى الارتباك. على هذا النحو، يصبح الأفراد الصم غير قادرين على توصيل الأفكار المتخصصة بسهولة.

ونتيجة لذلك، يعمل الباحثون ومسؤولو الاتصالات في عدة مشروعات لتطوير إشارات جديدة وإثراء معاجم لغة الإشارة.

  • في الفيزياء الكمية، طور مشروع يسمى «علم الكمية بلغة الإشارة الأمريكية» Quantum Science in ASL بواسطة مجموعة من الفيزيائيين والعلماء الصم لاستنباط إشارات تمثل المفاهيم الكامنة وراء المصطلحات. من خلال هذا المشروع، قيموا الإشارات الموجودة من أجل الدقة المفاهيمية واللغوية، وأنشأوا إشارات جديدة عند الاقتضاء، وقاموا بنمذجة وسائل لمناقشة هذه الموضوعات بلغة الإشارة الأمريكية ASL.

وتوجد في المجموعة عدة وحدات؛ لكل منها محاضرة مصغرة، وإشارات مرتبطة بها، وتعريفات لهذه الإشارات، وأمثلة جمل لكيفية استخدام الإشارات في السياق.

هذا العمل ليس سهلاً لأنه يمر بمراحل عديدة، بدءًا من مشاركة الإشارات الممكنة وتقييم ما إذا كانت الإشارة تتوافق مع القواعد اللغوية للغة الإشارة، إلى فحص مدى دقة الإشارة وملائمتها وفائدتها وقابليتها للتكيف من الناحية المفاهيمية؛ لاتخاذ قرار فيما إذا كانت مقبولة أم لا.

  • في مجالات الفيزياء والهندسة، أضاف الباحثون في «مشروع مسرد لغة الإشارة البريطاني»British Sign Language Glossary Project التابع للمركز الحسي الأسكتلندي 116 إشارة جديدة، بما في ذلك إشارات للسنة الضوئية والكتلة والأشعة السينية.

أمضى الباحثون أكثر من عام في جمع الأفكار من العاملين الصم في مجال العلوم، ونشر قوائم الإشارات المحتملة، وفي النهاية التجمع للتصويت النهائي. وقد اعتُمدت بعض هذه الإشارات، بينما لم يقبل البعض الآخر.

بالطبع، سيسهل توحيد الإشارات على الطلاب الصم مواكبة زملائهم السمعيين في أثناء المحاضرات وعدم تشتيت انتباههم عن طريق الاختيار بين اتباع المترجم الفوري أو السبورة أو الشاشة أو المادة أو تدوين الملاحظات.

  • قدم لورن فاروفيتش مبادرة أخرى، وهو طالب دراسات عليا في العلوم الطبية الحيوية الانتقالية في جامعة روتشستر وعالم أوبئة. لورن عالم أصم لغته الأولى هي لغة الإشارة الأمريكية.

ويشارك لورن في مشروعين طموحين: «لب لغة الإشارة الأمريكية» ASLCORE و«لغة الإشارة الأمريكية الواضحة» ASL Clear. يهدف كلاهما إلى إنشاء إشارات جديدة في لغة الإشارة الأمريكية لتخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. تناقش مشروعاته حول الحمض النووي، والحمض النووي الريبوزي، والإلكترون، المصطلحات التي ليس لها إشارات منتشرة على نطاق واسع حتى الآن، وهي أساسية في المجال العلمي.

تساعد كل هذه المشروعات الواعدة الطلاب الصم على اللحاق بالركب من خلال إيجاد حلول جديدة لجعل العلم أسهل بالنسبة إليهم، وهو ما يمثل أولوية لإثراء المجال العلمي بمزيد من العلماء الطموحين.

 

المراجع

researchgate.net/Teaching_Science_to_Deaf_Students

cen.acs.org/expanding-American-Sign-Languages

theverge.com/science-asl

nytimes.com/sign-language-researchers-broaden-science-lexicon