ما الذي يحدث؟
هذا النشاط هو نموذج مبسط «للاستجابة المناعية التكيفية»، وهي أحد أجزاء استجابة الجهاز المناعي في الجسم البشري. وفي حين أنها ليست الخطوة الأولى في الاستجابة المناعية الحقيقية، فإنها مهمة، وينفرد بها البشر والفقاريات العليا؛ فتسمح للجسم باستهداف جراثيم محددة وتذكرها استعدادًا لأي اتصال مستقبلي.
يمكن للجراثيم غزو الجسم من خلال الجروح بالجلد، أو من خلال الأغشية المخاطية في العينين والأنف والفم؛ حيث تتسبب في الالتهابات الداخلية. وفي حين أن البكتريا غالبًا ما تنمو في السوائل بين الخلايا، ويمكنها التكاثر والانتشار في الجسم من خلال مجرى الدم، فإن للفيروسات استراتيجية مختلفة. فلا يمكن للفيروسات التكاثر بشكل مستقل؛ فتدخل مادتها الوراثية في خلايا جسمك، وتستخدمها مصانعَ لإنتاج الفيروسات؛ من ثم تخرج الفيروسات المنسوخة حديثًا من الخلايا لتنتشر عبر الجسم.
استجابة لذلك يطلق الجهاز المناعي للجسم فيضًا من العمليات المعقدة، والتي تنتهي بأن يرتبط المستضد من الغازي الخارجي بالجسم المضاد المطابق له. ويحدث هذا الترابط في الغدد الليمفاوية، على سطح خلية مناعية متخصصة تسمى بالخلية البائية. ولأن هناك خلايا بائية قليلة تحمل الأجسام المضادة التي تتطابق مع مستضد محدد، فإن أول تواصل مع مستضد معين يبدأ استجابة قد تستغرق أيامًا عدة لكي تصبح فاعلة.
بمجرد أن يحدث التطابق تنقسم الخلايا البائية سريعًا؛ فتصبح بعضها مصانع منتجة للأجسام المضادة، وتسمى «خلايا البلازما»، بينما يصبح البعض الآخر «خلايا الذاكرة»، وهي التي تحتفظ بذكرى هذا المولد المضاد المحدد للمستقبل.
تنتج خلايا البلازما ملايين الأجسام المضادة، وتطلقها في مجرى الدم والجهاز الليمفاوي. تطارد تلك الأجسام المضادة المستضدات المحددة وترتبط بها؛ فتبطل مفعولها وتوقف انتشار الجرثومة. مثلما لاحظت في النشاط، فإن التطابق لا يكون دائمًا تامًّا؛ ولكنه يستمر في التحسن داخل الجسم كلما أنتجت الخلايا البائية أجسامًا مضادة أكثر.
ولأن شكل حرف Y الفريد للجسم المضاد يوفر للمستضدات مكانين للترابط، يمكن لمستضدات وأجسام مضادة متعددة أن تتكتل معًا، مما ينتج منه تكتلات من الخلايا تسمى «تراصات». تجذب هذه التراصات البالعات التي تجدها، وتبتلعها، وتهضمها؛ بحيث تزيل الجرثومة الخطيرة والخلايا المصابة من الجسم. تستمر عملية إنتاج الأجسام المضادة و«التنظيف» – الممثلة في هذا النشاط بابتلاع كيس القمامة البلاستيك لتكتلات المواد – لعدة أيام؛ حتى تزول الجرثومة.
يطابق هذا النشاط خمسة أنواع من الأجسام المضادة مع خمسة أنواع من المستضدات فقط؛ في الواقع، هناك ملايين الأنواع المختلفة لكل منها. ولم تطور الحيوانات ذات الاستجابات المناعية التكيفية القدرة على استهداف جراثيم معينة فحسب، ولكنها أيضًا تنتج خلايا الذاكرة التي «تتذكر» الجراثيم التي تعرضت لها. فعندما تدخل جرثومة مألوفة الجسم مرة أخرى، يكون الجهاز المناعي مستعدًّا؛ فيكون إطلاق الأجسام المضادة سريعًا وغزيرًا، بحيث يُقضى على الجرثومة بسرعة في أغلب الأحيان. نسمي ذلك «امتلاك المناعة».
|