«لقد فعلنا كثيرًا من القليل جدًّا لوقت طويل جدًّا لدرجة أنه يمكننا الآن فعل أي شيء من لا شيء».
هيو جونسون، كاتب خطابات الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت.
بقلم: تشارلي تروتمان
نشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية تحت عنوان Science Circus Africa: Where Small Is Big في عدد مارس-أبريل 2019 من مجلة «دايمنشنز» Dimensions التي تصدرها جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC. قامت رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط NAMES بترجمة المقال ونشره باللغة العربية بتصريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ومن المؤلف/المؤلفين، وتتحمل NAMES مسئولية هذه الترجمة.
لا يجوز إعادة إنتاج هذا المحتوى، سواء بالإنجليزية أو العربية، بأي شكل من الأشكال، دون إذن كتابي صريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC.
إن مراكز العلوم في أفريقيا نموذج لما يمكن إنجازه بموارد محدودة وشغفٍ غير محدود بالعلوم. في المؤتمر السنوي لجمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا (آستك) ASTC عام 2018، قدم مديرا مركزين علميين ناشئين في كينيا وبوتسوانا عرضًا مبهرًا عن الأنشطة العلمية لجمهور قاعة العرض المتحمس. فقام كلٌّ من ليبوتسوي بانتسي وكينيث مونجيرو – الأول مدير برامج ما قبل الجامعة في الجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا في بوتسوانا، والثاني عالم ومدير مركز كينيا العلمي بمنظمة كينيا للبحوث الزراعية والحيوانية في نيروبي – بعرض عددٍ من الظواهر العلمية البسيطة والجذابة التي تغطي موضوعات شتى؛ مثل: الصوت، والحرارة، والضوء، والكيمياء، والحركة.
وقد بدأ المديران حياتهما المهنية عالميْن باحثيْن؛ ولكن مع مرور الوقت، لاحظا أن غالبية الناس في بلديهما لم يتمكنوا من تطوير علاقة مع العلوم خلال سنوات الدراسة، ذلك لأن عددًا قليلًا جدًّا من المدارس في أفريقيا تضمِّن العلوم في مناهجها. تدريجيًّا، أصبح بانتسي ومونجيرو واعيين بشغفهما الحقيقي، فإلى جانب ممارسة العلوم، كانا مهتمين بمشاركة شغفهما لها وإلهام الأطفال ليصبحوا أكثر فضولًا إزاء العالم من حولهم. ففي أغلب الدول الأفريقية الأربعة وخمسين، ليس هناك دعمًا كبيرًا للتعليم غير الرسمي بالمراكز والمتاحف العلمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فيما يعرف اختصارا بـSTEM. وهكذا، فإن الأمر يعتمد على شغف الأفراد وإبداعهم وبراعتهم في تقديم تلك المجالات للأطفال، وإرشادهم لبناء علاقة طويلة الأمد مع العلوم.
الأمر الذي كان مبهرًا حقًّا في هذا العرض العلمي بالمؤتمر هو كيفية استخدام العارضيْن للأشياء المُعاد تدويرها أو المهملة لتوضيح أن العلم حولنا بالمعنى الحرفي للكلمة، طوال الوقت وفي كل شيء نفعله. فلم يركز العارضان على العلوم فحسب، بل أيضًا على كيفية تسليط الضوء على العلم الموجود حولنا بمواد بسيطة وزهيدة الثمن. وتضمنت الأمثلة إظهار قدرة ضغط الهواء على الاحتفاظ بالماء في كوبٍ مقلوب مغطى بطبقٍ بلاستيكي، وكيفية إطلاق بيضة إلى الأعلى في الهواء عن طريق إسقاطها فوق كرة مطاطية ومعها، وكيفية إشعال الفقاعات المولدة من غاز البيوتان في دلوٍ يحتوي على صابون سائل لتصبح كرة نارية مذهلة ولكن آمنة.
تفتقر المؤسستان اللتان ينتمي إليهما العارضان إلى الدعم اللازم لعرض المعروضات للجمهور، ما يُعدُّ الدعامة الأساسية لكثير من المراكز العلمية الكبيرة. فإما تكون المعروضات موجودة ولكنها مخزنة لعدم توافر مساحة للعرض، وإما يمتلك المركز العلمي مساحة للعرض، ولكنها تكون موجودة في مبنى خاص بالبحوث خلف بوابات أمنية لا يُسمح باجتيازها إلا للحافلات الخاصة بزيارات المجموعات المدرسية الحاصلة على التصريحات اللازمة بالحجز المُسبق. وهكذا، فإن الأشكال الأساسية لتعليم مجالات STEM في تلك المناطق هي العروض العلمية في الأماكن العامة، والبرامج الخارجية في المدارس، وفصول العلوم المنتظمة في المقرات، والزيارات الميدانية المدرسية.
كينيث مونجيرو، مدير مركز كينيا العلمي، يبهر الجماهير في المؤتمر السنوي لجمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا (آستك)ASTC 2018،
عندما غمس يده في فقاعات الصابون السائل ثم أشعلها لتصبح كرة نار مذهلة (ولكن آمنة). تصوير: سوزان سترايت
من شأن العروض والاحتفاليات العلمية بالتحديد أن تبدو سحرية عندما يُشرك العارضون الجماهير بمهارة في عرض الظواهر العلمية. فكانت استجابة الأطفال في عمر المدرسة والجماهير العامة مُرضية جدًّا، وقد كوَّن المديران كلاهما مجموعة متزايدة من المتطوعين المخلصين والمتحمسين للوصول إلى أعداد أكبر من الناس. وقد أثر هذان الفريقان من معلمي العلوم في حياة 50,000 فرد في عام 2018.
من العناصر الجوهرية في هذين البرنامجين إتاحة الوصول إلى الأنشطة العلمية المُجربة والجاهزة للاستخدام، وكذلك إلى آلية تنسيق عرضها. فقد عكف جراهام واكر من الجامعة الأسترالية الوطنية على تطوير آلية العروض العلمية ومحتواها لسنوات عديدة. ويخاطب برنامجه الأخير بعنوان «سيرك علوم أفريقيا» أوScience Center Africa (cpas.anu.edu.au/ about/partnerships/science-circus-africa) العنصرين كلاهما بشكل شامل. فمن ناحية، يبني قدرات مُعلمي العلوم الناشئين في أفريقيا من خلال تدريب القيادات، وتوفير المواد والممارسة في تقديم البرنامج وتطوير العروض. ومن ناحية أخرى، فهو يمد بالموارد المالية والتوجيه اللازم لإمداد القادة الناشئين بالمحتوى والدعم الذي يحتاجون إليه لنقل قدراتهم المكتسبة حديثًا من بيئة ورشة العمل إلى الساحة العامة. إلى جانب تأثير مثل تلك المراكز العلمية الصغيرة في مواطنها بأفريقيا، فإن لديها كثير لتعلمه لمراكز العلوم الكبيرة حول العالم، التي يعود الفضل في وجود كثير منها إلى الجهود التطوعية الشغوفة ومحدودة الموارد في عقود ماضية. أولًا، يذكرنا العارضان أنه من شأن العروض العلمية الوصول إلى عدد كبير من الناس بتكلفة زهيدة من حيث وقت العاملين والمواد المستخدمة. فغالبًا ما تكون الجماهير متفاعلة ومتحمسة جدًّا عند مشاهدة التأثيرات المذهلة الناتجة عن مواد نستخدمها في حياتنا اليومية (والأفضل من ذلك أن تكون مواد معاد تدويرها أو مهملة)، مقارنة بمشاهدة معدات عالية التقنية لم يكونوا ليروها قط.
ثانيًّا، كثيرًا ما تُرفع قيمة المساهمات العينية وغيرها من حلول التمويل الإبداعية بشكل كبير في مثل تلك المراكز التي عادةً ما يكون لها حدٌّ أدنى من النفقات الإدارية، وكثيرًا ما تعتمد على جهود تطوعية كبيرة. فمن الممكن استغلال المواد والمعروضات التي لم يُعد هناك حاجة إليها في مراكز العلوم الكبيرة أفضل استغلال في مراكز العلوم الناشئة. وهناك منظمات مثل جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا (ASTC)، وجمعية جنوب أفريقيا لمراكز العلوم والتكنولوجيا، ورابطة المراكز العلمية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط مهتمة جدًّا بالربط بين من يملكون مصادر إضافية أو زائدة عن الحاجة وبين المراكز الناشئة التي تستطيع الاستفادة من تلك المصادر بشكل جيد.
مونجيرو وبانتسي يقدمان عرضهما في المؤتمر السنوي لجمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا (ASTC) 2018. تصوير: سوزان سترايت
ترأس تشارلي تروتمان (cTrautmann@sciencenter.org) فعاليات عرض سيرك علوم أفريقيا في المؤتمر السنوي لجمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا (آستك) ASTC في أكتوبر 2018. وهو المدير الفخري لمركز «ساينسنتر» Sciencenter في إثاكا، بنيويورك، وباحث زائر في جامعة كورنويل.