بقلم: إيناس عيسى
إن توصيل رسالتنا ونقل أفكارنا بنجاح هو ما نسعى إليه في كل نقاش أو مناظرة أو عرض تقديمي. وهذا يسهل قوله ولكن يصعب تنفيذه؛ فتؤدي عوامل كثيرة دورًا محوريًّا في تحديد المخرجات الحقيقية لتلك المواقف، سواء كانت عامة أو أكثر تخصصًا، كما هو الحال عندما يتعلق الأمر بالعلم والصحة. فلا يتعلق الأمر باختيار الكلمات المقنعة فقط لإقناع الجمهور أو حتى الأساليب الجذابة.
وفي حين أن الحاجة الملحة إلى توصيل العلوم قد نمت مؤخرًا، فقد زادت كذلك أهمية توصيله بنجاح. فلغة العلم محددة جدًا ولا يمكن لعامة الجمهور فهمها بسهولة؛ فتستلزم درجة من التبسيط، وهي مهمة يعمل من أجلها بكد الخبراء وموصلو العلوم.
لتحقيق هذا، يجب أولًا أن يعرفوا ماذا يمكن أن تكون الأوجه الأساسية في ذهن عامة الجمهور عند الاستماع إلى مزاعم الخبراء ومعلومات موصلي العلوم.
ما الذي يحدد فعالية الرسالة؟
أظهرت أبحاث سابقة أن الجمهور يتخذ القرارات بطريقة من اثنتين: الأولى هي تقييم الزعم الجديد بسؤال أنفسهم ما إذا كان متسقًا مع معرفتهم السابقة لهذا الأمر أم لا؛ والثانية هي سؤال أنفسهم ما إذا كان مصدر هذا الزعم محل ثقة أم لا. لذلك، فإن الموثوقية والمصداقية أساسيتان للجمهور عند اتخاذ القرارات نحو الرسائل التي تصله.
وبأخذ هذا في الاعتبار، أجرى باحثون من جامعة موستر في ألمانيا دراسة درسوا فيها كيف يؤثر أسلوب اللغة والانتماء المهني للموصل على الموثوقية والمصداقية في المناظرات العلمية وتوصيل العلوم.
فسلطوا الضوء على منطقة قد لا تكون منتشرة بشكل موسع في العلم مقارنة بالمجالات الأخرى، ولكن لا يجب إغفالها. تلك هي استخدام موصلي العلوم لغة حادة في المناظرات العلمية في محاولة لتوضيح مزاعمهم أو إقناع الجمهور.
تأثير الأسلوب
أظهرت النتائج أن استخدام اللغة الحادة عوضًا عن المحايدة يؤثر سلبًا في الموثوقية؛ حيث يُظَن بالمناظر أنه أكثر تحايلًا، وأقل كفاءة، وأقل صدقًا، وأقل خيرًا، وأقل استحبابًا. كذلك ظُنت المعلومات المقدمة أقل مصداقية؛ ما ترك انطباعًا لدى المشاركين بأنهم تعلموا أقل من المناظرة العلمية. وكان مقياس المصداقية الوحيد الذي بدا أنه لم يتأثر هو موقف المشاركين من موضوع المناظرة العلمية.
الأبحاث السابقة تحققت أيضًا في كيفية تأثير أساليب اللغة – الإيجابية في مقابل السلبية والتقنية في مقابل العادية – في موثوقية ومصداقية المعلومة ومصدرها. فأظهرت النتائج أن استخدام اللغة الإيجابية – مثل وصف الاكتشافات الجديدة بأنها رائعة أو دواء جديد بأنه ممتاز – عوضًا عن استخدام أسلوب لغة محايد له تأثير سلبي؛ فقيَّم المشاركون بالدراسة المعلومات الموفرة بأنها أقل مصداقية، ومصدر المعلومة بأنه أكثر تحايلًا، وأقل خيرًا، وأقل صدقًا. وهذا لأن مثل هذا النوع من اللغة يرتبط في الغالب بالإعلانات التجارية، التي يكون الغرض الرئيسي منها إقناع الجمهور وزيادة المبيعات.
فيما يتعلق بالتساؤل عمَّا إذا كان استخدام المصطلحات والأساليب اللغوية التقنية يؤدي إلى موثوقية أكثر مقارنة باللغة اليومية، وجد الباحثون أن المؤلفين والموصلين يُعتبروا أكثر موثوقية ومعلوماتهم أكثر مصداقية عندما يستخدمون اللغة اليومية. على سبيل المثال استخدام مصطلح «أزمة قلبية» بدلًا من «احتشاء عضلة القلب».
دور الانتماء المهني
تحققت الدراسة أيضًا في كيفية تأثير الانتماء المهني للموصل أو الشخص المشارك في مناظرة علمية على موثوقية ومصداقية معلوماته. فوجد الباحثون أنه إذا قُدم الشخص بصفته مروج مقارنة بتقديمه بصفته عالمًا، فإنه يُرى أقل موثوقية، وأكثر تحايلًا، وأقل صدقًا، وأقل خيرًا، وأقل استحبابًا؛ في حين لم يؤثر انتماء الشخص المهني في مصداقية معلوماته.
تركيبة الرسالة الناجحة
نتائج هذه الدراسة تبدو ذات أهمية كبيرة لعدة مهن؛ لأنها تبرز كيفية تفاعل الساعين وراء المعلومة مع المعلومة المقدمة إليهم، وليست فقط تلك المرتبطة بالعلم. كذلك فإن كيفية تقديم المعلومة ومن يقدمها جزء من العملية الكاملة للتواصل.
بالإضافة إلى المقاييس المذكورة لتحديد مصداقية وموثوقية الرسائل وموصلي العلوم، هناك عوامل أخرى يجب على موصل العلوم أخذها في الاعتبار كذلك. تشمل تلك توضيح الموضع الذي يريدون تناوله وما أهميته، وكذلك الحلول والفوائد المحتملة، باستخدام لغة خالية من المصطلحات المعقدة لتفادي الغموض. وأخيرًا، استخدام التشبيهات من أجل رسائل أكثر فعالية؛ لما تؤديه من دور لا يمكن إغفاله في جذب المتلقي والمساعدة على تفسير الظواهر التي قد يصعب تصورها.
أكثر من مجرد معلومة
بما أن نشر المعرفة العلمية قد نمى بشكل هائل على مرِّ السنوات السابقة، وهي علامة جيدة فيما يتعلق بزيادة وعي الجمهور بالأفكار والموضوعات العلمية المتعلقة بحياته اليومية، وصحته، وصحة أبنائه كذلك، فإن التواصل الفعَّال من شأنه طرح نتائج أفضل والمساعدة على بناء جسور لعبر المنطقة المتوسعة من الاختلافات بين المجالات المتنوعة.
الوسائط
Explaining Scientific Ideas
Communicating Science