بقلم: إيناس عيسى
من المرغوب عنه أن تظل عالقًا في موقف ما بعد نفاد جميع الحلول التي اختبرتها جيدًا والطرق التي نفذت مسبقًا. ومع ذلك، فنحن نعيش في عالم دائم التغير لا يزال يفاجئنا بظروف جديدة تخالف لتوقعاتنا؛ فإننا نواجه باستمرار مواقف جديدة تمامًا تتطلب منا تصرفًا فوريًّا.
نميل إلى الاعتماد دون وعي على تنفيذ حلول مجربة جيدًا لمساعدتنا على مواجهة أي مشكلة جديدة؛ فنكافح بينما نتنقل بين الأساليب المختلفة لحلها، وتظل كيفية استجابتنا هي المفتاح إما للمضي قدمًا أو الشعور بالعجز والهزيمة.
المرونة المعرفية هي مفهوم يحدد مثل هذه الحالة التي نجد أنفسنا فيها في بيئة متغيرة تتطلب منا التكيف مع المواقف الجديدة، والتعامل معها كما هي، والتخلص من الحلول السابقة غير العملية التي لن تساعد في الوضع الحالي واستبدالها ما سيجدي بالفعل بها.
ماذا تعني المرونة المعرفية؟
بشكل عام، المرونة المعرفية هي القدرة على تكييف استراتيجيات السلوك والتفكير استجابة للبيئة المحيطة. فيتعلق الأمر بتقييم الاستراتيجيات الحالية وإيجاد حلول جديدة قابلة للتطبيق؛ للسماح للأفراد بتنظيم أفكارهم وأفعالهم بشكل تكيفي.
على الرغم من أنه لا يمكن قياس المرونة المعرفية من خلال اختبار الذكاء، إلا أنه يمكن تحليلها من خلال القدرة على التفكير في أشياء متعددة في نفس الوقت، والقدرة على تعديل التفكير بناءً على تغير التوقعات والمطالب. لذلك، في كل موقف، يجب على الشخص التركيز على الظروف التي تتغير باستمرار في أثناء المهمة التي يتم أداؤها والاستثمار في إجهاض الاستجابة التلقائية الناتجة عن طريقة التفكير العادية. وبالتالي، يحتاج الشخص إلى إعادة هيكلة معارفه لتفسير الوضع الجديد ومتطلبات المهمة الجديدة بشكل فعال والتصرف وفقًا لذلك.
غالبًا ما يُنظر إلى أولئك الذين يتمتعون بالمرونة الإدراكية الصحية على أنهم أكثر انفتاحًا لأنهم يستطيعون تقييم فوائد المدخلات الجديدة وتحديث أنظمة المعتقدات القديمة عند تقديم منظور جديد.
مفهوم المرونة المعرفية له ثلاث خصائص أساسية؛ فهو:
- ينطوي على عملية التعلم؛ وبالتالي، يمكن اكتسابها بالخبرة.
- ينطوي على تكييف استراتيجيات المعالجة المعرفية، التي تشير إلى التغيرات في السلوكيات المعقدة، وليس في الاستجابات المنفصلة.
- يحدث في تغيرات بيئية جديدة وغير متوقعة بعد قيام الشخص بأداء مهمة ما لبعض الوقت.
يعاني بعض الأشخاص من صعوبات في تطبيق المرونة المعرفية في المواقف التي يواجهونها، بما في ذلك الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الصحة العقلية؛ مثل: اضطراب الوسواس القهري واضطراب الاكتئاب الشديد. بالإضافة إلى ذلك، عادةً ما يُظهر الأطفال المصابون باضطراب نقص الانتباه/ فرط النشاط وصعوبات/ اضطرابات التعلم تحديات في أدائهم التنفيذي. ومع ذلك، بما أنه يمكن تعلمه، يمكنهم أيضًا الاستفادة منه.
ما هي فوائد المرونة المعرفية؟
هذه المرونة ليست فكرة مجردة؛ إذ تنطوي على جوهر خلق أفكار جديدة وحتى ربطها، ولها دور ملحوظ في دعم المهارات الأكاديمية والمهنية مثل حل المشكلات. كذلك يمكن أن تعزز التفكير النقدي وتساعد على الحماية من تحيزات عدة؛ لأن الأشخاص المرنين معرفيًّا أفضل في التعرف على الأخطاء المحتملة في أنفسهم واستخدام الاستراتيجيات للتغلب عليها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون مفيدة في الإدراك العاطفي والاجتماعي؛ حيث أظهرت الدراسات أن المرونة المعرفية لها ارتباط قوي بالقدرة على فهم مشاعر الآخرين وأفكارهم ونياتهم. يمكن أن يتجلى الافتقار إلى المرونة المعرفية في التجمد وعدم عمل أي شيء في أثناء مواجهة مشكلات أو مواقف جديدة، أو اجترار العواقب التي حدثت بالفعل ولن تتغير، أو الشعور بالضيق والنضال مع القاعدة أو الحقيقة الجديدة.
أظهرت الدراسات فوائدها التعليمية للأطفال المصابين بالتوحد؛ فبعد التدريب، أظهروا تحسنًا في الأداء في المهارات المعرفية وكذلك في التفاعل الاجتماعي والتواصل. كما أنها تظهر فوائد عند كبار السن.
كيف يمكن للمعلمين الاستفادة من المرونة المعرفية؟
هذا المصطلح ليس مهمًا فقط للأطفال أو الطلاب؛ فتمتد فوائده للمساعدة في تكوين معلمين أقوى. إنها توفر الأساس لعمليات الدماغ الإبداعية وتساعد في التعامل مع المشكلات من وجهات نظر متعددة، ما يؤدي إلى تحقيق مزيد من النتائج الممكنة، وهكذا، الوصول إلى أفضل حل ممكن.
المعلمون متعددو المهام وعليهم التعامل مع عديد من الأشياء بفاعلية في الوقت نفسه، بدءًا من التعامل مع الطلاب من خلفيات وثقافات ومعتقدات متنوعة وحتى المواقف الجديدة التي يتعين عليهم التعامل معها. لذلك، يحتاجون إلى تطبيق هذه المرونة في عملهم اليومي للمساعدة في تحويل انتباه الطلاب وأنفسهم من أي موقف غير صحي إلى وضع أكثر إنتاجية وملاءمة.
يمكنهم العمل على تحسين المرونة المعرفية لزيادة القدرة على التكيف مع التدفقات اليومية من خلال:
- تطوير دروس/ أنشطة جديدة لمنهج قديم من شأنه أن يجبر العقل على التفكير في طرق محدثة للوصول إلى الطلاب.
- الخروج من منطقة الراحة التعليمية وعمل شيء جديد، مثل تولي منصب تدريبي، أو الانضمام إلى لجنة جديدة، إلخ.
- البحث عن صداقات مع أشخاص من خلفيات مختلفة من شأنها أن تساعد في عرض المواقف من وجهات نظر متعددة، ونتيجة لذلك يمكن أن تكتسب نظرة جديدة على أي موقف معين.
- عمل شيء جديد والخلط بين الروتين، الذي لا يكون بالضرورة شديد الاختلاف، وإنما مختلفًا عن المعتاد فحسب.
لمساعدة الأطفال على تحسين المرونة الإدراكية لديهم، جرب:
- دمج مفهومي الجمود والمرونة من خلال اللعب والممارسة، ونمذجة التفكير المرن بطريقة ممتعة، وإظهار كيف يمكن لكل من المفهومين التأثير فيها.
- شرح الجمود على أنه تفكير مطاطي ومرن ولكنه مشدود بإحكام، وكيف قد تسمح لنا تلك المرونة بالتكيف مع كل موقف.
- التأكيد على أن هناك استراتيجيات مختلفة يمكنهم تجربتها وطرق متعددة لحل مشكلة ما، خاصة في الرياضيات.
- إن دمج التغييرات الصغيرة للمساعدة على بناء مهارات التسامح لديهم، مثل تبديل ترتيب أشياء معينة، أو أداء العمل الروتيني بالعكس أو بطريقة مختلفة، أو وضع قواعد جديدة للعبة ما، وما إلى ذلك، من شأنه أن يساعد في منحهم إحساسًا بالتحكم في الموقف ككل.
باختصار، المرونة المعرفية مصطلح واسع يشير عمومًا إلى قدرتنا على التكيف بمرونة مع بيئتنا المتغيرة باستمرار. وعلى الرغم من أنها تبدو مثالية، إلا أن فقدانها قد يؤدي إلى عيوب وصعوبة في المضي قدمًا. ويمكن تعلمها خطوة بخطوة للوصول إلى نتائج أفضل من خلال الاستراتيجيات المحدثة والقدرة على التغيير، التي أصبحت بارزة بدرجة كافية.
المراجع
researchgate.net/Cognitive Flexibility
frontiersin.org
theconversation.com
resilienteducator.com/cognitive-flexibility
psychologytoday.com/ways-improve-your-cognitive-flexibility
foothillsacademy.org
sciencedirect.com/cognitive-flexibility
Cognitive flexibility