بقلم: إيناس عيسى
يمكن لعقلياتنا أن تشكل حياتنا، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. ولا يتعلق الأمر دائمًا بحجم المشكلة أو مدى تعقيد الموقف؛ في كثير من الأحيان، يعتمد الأمر على فهمنا، والطريقة التي نستجيب بها هي التي تحدد النتائج. ببساطة، الأمر يعتمد على طريقة تفكيرنا.
وفقًا لعالمة النفس الأمريكية كارول دويك، ترتبط فكرة العقلية بفهمنا لمن أين تأتي القدرة وما إذا كانت ثابتة أو يمكن تطويرها. هذه الفكرة لها دور مهم في جميع جوانب حياتنا، بدءًا من قراراتنا اليومية المتعلقة بأمور بسيطة، إلى العملية التعليمية متعددة الأوجه.
للتعلم والازدهار، وبالنظر إلى التحديات باعتبارها فرصًا مقابل البقاء عالقين بالقيود التي تطورت في العقل، فإن هذا ما يميز الشخص ذي عقلية النمو عن ذي العقلية الثابتة.
عقلية ثابتة مقابل عقلية النمو
في علم النفس، الفرد ذو العقلية الثابتة هو الشخص الذي يؤمن بأن النجاح والفشل يعتمدان على قدرة فطرية ثابتة وغير قابلة للتغيير. فيعتقدون أن لديهم عددًا معينًا من المواهب وهدفهم هو أن يظهروا دائمًا أذكياء. وعلى هذا النحو، فهم يركزون على أهداف الأداء – المظهر الذكي وإثبات قدرتهم الخاصة – وهم أكثر ميلًا إلى التنميط.
من ناحية أخرى، يعتقد الشخص الذي لديه عقلية النمو أن النجاح يعتمد على التعلم والمثابرة والعمل الجاد، وأن الفكر والشخصية والقدرة هي أشياء يمكن تنميتها أو تطويرها بمرور الوقت من خلال الجهد والمثابرة. تشير الدراسات إلى أن الأشخاص ذوي عقليات النمو يظهرون أهدافًا تعليمية أقوى، ومعتقدات أكثر إيجابية حول الجهد، ويشاركون في مزيد من الاستراتيجيات القائمة على الجهد، مثل العمل بكد وقضاء مزيد من الوقت في مهمة ما والنجاح فيها. يضع هذا الشخص التعلم كهدف ويركز على المعنى الكامن وراء ما يجب أن يتعلمه، ويعمل على أن يصبح أذكى من خلال تحسين قدراته. وهذا يمكنهم من أن يصبحوا أكثر مرونة في مواجهة الصعوبات.
بعقلية ثابتة يكون هناك مشاعر بقلة الحيلة والعجز المكتسب. ويمكن أن يؤدي هذا إلى تطوير هوية تهزم الذات من خلال الحديث السلبي عن النفس مثل «لا يمكنني فعل هذا» أو «لست ذكيًّا بما يكفي». من ناحية أخرى، على الأرجح أن تشجع عقلية النمو بين الطلاب على تنمية مشاعر التمكين والسماح لهم برؤية كيف يمكنهم التصرف بشكل إيجابي للتأثير على مجتمعهم وتعلمهم. علاوة على ذلك، يصبحون أكثر حماسًا للتعلم وبذل الجهد، مما يسمح لهم بالتفوق في الأداء على من لديهم عقلية ثابتة وإظهار مزيد من الجهد في الدراسة لأنهم يعتقدون أنه يمكن دائمًا تطوير قدراتهم الفكرية من خلال الجهد والعمل الجاد.
تؤثر هذه الاختلافات بين العقليتين على فهم النجاح والفشل بشكلٍ كبير. يخاف الأشخاص ذوو العقلية الثابتة من الفشل، ويشعرون أنه ينعكس بشكل سيء على أنفسهم كأفراد، بينما يتبنى الأشخاص ذوو عقلية النمو الفشل كفرصة للتعلم وتحسين قدراتهم.
إن تطوير عقلية النمو والقضاء على العقلية الثابتة لهما آثار كبيرة في التعليم لكل من المعلمين والطلاب. فإلى جانب دورهم في تدريس المناهج الدراسية، يمكن للمدرسين مساعدة الطلاب على تطوير عقلية النمو، والتي من شأنها أن تساعدهم في دراستهم واتخاذ المزيد من القرارات المتعلقة بالعمل وحتى حياتهم الشخصية.
يمكن تحقيق ذلك عن طريق إرسال ردود الفعل الصحيحة. فيجب أن تركز على العمل والعملية التي يشارك فيها الطلاب؛ لتشجيعهم ومساعدتهم على تطوير عقلية النمو. هذا يعني عدم توجيه المديح لشخصياتهم ومدى ذكاءهم؛ لأن هذا قد يشجعهم على تطوير عقلية ثابتة، والتي يمكن أن تحد من إمكاناتهم التعليمية.
هل تطوير عقلية النمو مفيد للمعلمين؟
تتجلى عقلية المعلمين في سلوكياتهم في الفصل الدراسي، بما في ذلك مناهجهم التعليمية، والشعور بالكفاءة الذاتية، وكيف يرون الأداء الأساسي بمرور الوقت. ونظرًا لأن معتقدات المعلمين والطلاب مرتبطة ببعضها البعض، فإن تطوير عقلية النمو لدى المعلمين أمر ضروري للطلاب لتبني مثل هذه الطريقة في التفكير والتعلم. يشجع مدرسو عقلية النمو الطلاب على المحاولة بجدية أكبر لأنهم يعتقدون أن بإمكانهم القيام بعمل أفضل. ويمكن للمدرسين أيضًا تشكيل وجهات نظر الطلاب حول قدراتهم الخاصة وتحفيزهم على الإنجاز.
نظرًا لأن تطوير عقلية النمو للمعلمين ليس ذا أهمية صغيرة، فإليك 5 ممارسات من شأنها أن تساعد في تطوير هذه العقلية وتحقيق نتائج أفضل:
- لا تتوقف عن التعلم أبدًا
أن تكون منفتحًا على الأفكار الجديدة، وحريصًا على تطبيق أساليب جديدة، وباحثًا عن تحديات جديدة من شأنها أن تساعدك على النمو أمر ضروري لعملية التعلم. بينما تشجع طلابك على دفع حدودهم، فقط افعل الشيء نفسه لنفسك.
«يولد الجميع بدافع قوي للتعلم؛ فيمدّد الأطفال مهاراتهم يوميًّا. ليست فقط المهارات العادية، ولكن المهام الأكثر صعوبة في العمر، مثل تعلم المشي والكلام؛ فهم لا يقررون أبدًا أنه صعب جدًا أو لا يستحق الجهد. لا يقلق الأطفال من ارتكاب الأخطاء أو إذلال أنفسهم»، هكذا تقول عالمة النفس الأمريكية كارول دويك، «إنهم يمشون، ويسقطون، وينهضون».
- اطرح أسئلة
نظرًا لأن تطبيق التعلم القائم على الاستفسار مفيد للطلاب في طرح أسئلة أو سيناريوهات حول المشكلات وتشجيعهم على استكشاف الموضوعات من خلال الأسئلة العميقة، فمن المهم تطبيق هذا على عملك أو حياتك والتعامل مع المشكلات والأفكار من خلال عدسة الاستفسار.
- كُن مرنًا
يمكن تحقيق أشياء عظيمة عندما نمدد الحدود ونشمل وجهات نظر أخرى. للاستمرار في النمو بصفتك معلم، يجب أن تكون على استعداد لتكييف ممارستك مع احتياجات ومصالح الطلاب الفضلى وإيجاد طريقة لتضمين مدخلات ومساهمات زملائك.
- استمع
يمكنك أن تكون مستعدًا لاستيعاب الأفكار الجديدة بمجرد الاستماع بشكل أصلي دون التدخل أو التفكير في الرد. سيسمح لك ذلك ببناء مجتمع من الزملاء الذين يشعرون بأنهم مسموعون ومفهومون. فقط تذكر أنه كلما زاد الاستماع والتعاون، زاد نمونا معًا.
- تأمل
للاستمرار في النمو والتحسن، يجب أن تقيم عملك وتحلل أدائك باستمرار. وعلى الرغم من أنه في بعض الأحيان يصعب تحديد أولويات التفكير الذاتي في ظل عديد من المهام في جدول أعمالنا، فإن بناء أنشطة التفكير سيساعدك في الحفاظ على روتين ثابت وهادف. أهم شيء ليس ما إذا كانت الفكرة الجديدة ناجحة أو فاشلة، فيجب أن يكون التركيز على ما تعلمته من العملية.
المراجع
edutopia.org/
resilienteducator.com
frontiersin.org
Developing A Growth Mindset
Growth Mindset vs. Fixed Mindset