نظرة عميقة
تغذية ثقافة منظمتك
أندريا بانديلي
المدير التنفيذي
جاليري العلوم الدولي
دابلن، أيرلندا
Twitter | Email
لماذا سيؤدي تجاهل الثقافة إلى فشل استراتيجيتك
| الوقت المُقدَّر للقراءة: 15 دقيقة
هذه المقالة منشورة في مجموعة مقالات سبوكس بعنوان «وراء الكواليس»
منذ سنوات قليلة بدأت وظيفة جديدة، مديرًا تنفيذيًّا لمعرض العلوم الدولي Science Gallery International. وكما هي الحال عادةً عندما يكون هناك تغيير في القيادة، كان من بين أول الأشياء التي كان علي القيام بها تطوير استراتيجية جديدة للمنظمة. فوظفت مستشارة لتيسير سلسلة من الاجتماعات من أجل تطوير خطة استراتيجية جديدة. أتذكر شيئين قالتهما لي: «نصف الخطط الإستراتيجية تفشل [1]» و«الثقافة تلتهم الاستراتيجية على الإفطار[2]». لم تكن تحاول إبعادي عن الانخراط في التخطيط الاستراتيجي، إلا أن هذين التعليقين لا يزالان حيين للغاية في ذاكرتي، ومنذ ذلك الحين أحرص على فهم تأثير الثقافة التنظيمية في الاستراتيجية والعكس. ففي حقيقة الأمر أن عديدًا منَّا اختبر ذلك: الجلوس في اجتماعات استراتيجية لا نهاية لها لوضع أهداف نبيلة؛ لنصطدم بعد بضعة أيام بالواقع القاسي المتمثل في جملة «هكذا تنجز الأمور هنا». إذًا ما العلاقة بين الاستراتيجية والثقافة؟
فبينما أن التخطيط الاستراتيجي هو عملية منظمة بشكل جيد، وهناك موارد لا حصر لها متاحة لإعداد العمليات الاستراتيجية وتطويرها ومراقبتها، فمن المؤكد أن تحديد الثقافة التنظيمية أصعب كثيرًا. ومع ذلك، فإن ثقافة المنظمة غالبًا ما تكون من أول الأشياء التي نلحظها عندما نزور مكانًا أو نلتقي بالعاملين به. فالثقافة هي ما يصنع أو يكسر المنظمة بشكل متزايد، بغض النظر عن مدى حسن التخطيط لاستراتيجيتها. وقد مر معظمنا أيضًا بمواقف شككنا فيها في صحة الخطة الاستراتيجية لمنظمتنا أو تلك الخاصة بالمنظمات التي تعاونا معها.
لذلك، شرعت في رحلة صغيرة لمعرفة مزيد عن الثقافة التنظيمية، لا سيما من منظور مؤسسة غير ربحية صغيرة/متوسطة. فعلى الرغم من أن مجالنا المهني يدور حول الثقافة بشكلٍ عام، لا أعتقد أننا نتحدث بشكلٍ كافٍ عن ثقافتنا (ثقافاتنا) التنظيمية على وجه الخصوص. على الأرجح أن هذا يرجع إلى أن عديدًا من المنظمات الصغيرة (مثل معظمنا) تأخذ الثقافة التنظيمية كأمر مسلم به –فتبدو سهلة المتابعة والإدارة (ليست كذلك!). إن الحديث عن الثقافة التنظيمية يعني أيضًا فتح محادثات جميلة ولكنها قد تكون غير مريحة حول الأشخاص والمشاعر والمواقف. لذا، إليك بعض الأدوات والأساليب للتحدث عن الثقافة، ونأمل أن تمنعها من التهام استراتيجيتك على الإفطار!
رسم خرائط الثقافة التنظيمية
لنبدأ بتحديد بعض المفاهيم الأساسية. تعد الخطة الاستراتيجية قرارًا واعيًا للسير في اتجاه معين، وتوفر لكل فرد داخل المنظمة هيكلًا واضحًا وقابلًا للتنفيذ عمليًّا لتوجيه عمله. وتعتمد الخطة الاستراتيجية على المهمة والرؤية والقيم الأساسية للمنظمة، وكذلك تحليل السياق الذي تعمل فيه وتحديد الأهداف التي تريد تحقيقها. عادة تتخذ الخطة الاستراتيجية شكل مستند قصير يسلط الضوء على المكان الذي تريد المنظمة أن تكون فيه في المستقبل، ونوع المبادرات التي ستكون ضرورية للوصول إلى هناك، وطرق قياس التقدم والإنجازات.
الثقافة من ناحية أخرى توجد في القواعد الجماعية والسلوكيات والعادات عبر المنظمة، في التوقعات المتبادلة بين العاملين، وفي هياكل السلطة، وفي النظام الاجتماعي الضمني للمنظمة. الثقافة شيء أكثر صعوبة في وصفها وهيكلها، وإلى حد ما في السيطرة عليها أو تغييرها. فعادة ما تكون غير متجانسة: توجد داخل المنظمة طرق مختلفة لتفسير و«تشريع» الثقافة. يعتمد الأمر إلى حد كبير على القيادة، سواءً بشكل إيجابي، عندما تجسد القيادة الثقافة، أو بشكل سلبي، عندما يكون هناك انفصال بين الاثنين. وعلى عكس الخطة الإستراتيجية، نادرًا ما توصف الثقافة في مستند أنيق (على الرغم من وجود بعض الاستثناءات: انظر على سبيل المثال: مجموعة ثقافة «نتفلكس» Netflix أو قواعد ثقافة «هابسبوت» Hubspot).
الصورة رقم 1: هل يمكن أن تكون الجلسات الاستراتيجية مثل التنزه في الحديقة؟ على الأقل
يمكنها البدء كذلك، كما فعل فريق جاليري العلوم الدولي في عام 2019.
إذا لم تكن الاستراتيجية جزءًا لا يتجزأ من ثقافة تنظيمية إيجابية، أو إذا كانت الثقافة لا تساعد على تنفيذ تلك الاستراتيجية، فعندئذ تكون هذه هي حالة تناول الثقافة للاستراتيجية على الإفطار. في الواقع، كما سنرى، الثقافة هي ما يُمكِّن أو يعيق تنفيذ الخطط الاستراتيجية. لذا، فحتى أفضل خطة استراتيجية مدروسة ستكون إشكالية في التنفيذ إذا عملت ثقافة المنظمة ضدها.
فكيف نضمن إذًا أن تكون الثقافة صحية وقوية؟ أولًا، من المهم رسم خريطة لها. هناك بعض الأدوات المفيدة للقيام بذلك. أحدها نموذج «الشبكة الثقافية» لجونسون وشولز [3]. طور النموذج في الأصل في عام 1992، ويتكون من 6 مجالات تحدد معًا ثقافة المنظمة:
- القصص: تلك هي الأحداث والأشخاص الذين يتم الحديث عنهم داخل الشركة وخارجها باعتبارهم مهمين ومحددين. تخبرنا هذه القصص كثيرًا عما تقدره الشركة، وما يعتبر سلوكًا عظيمًا.
- الطقوس والروتينات: السلوكيات والأفعال اليومية للناس، والمعترف بها على أنها سلوك مقبول. تحدد هذه الأفعال الروتينية ما هو متوقع حدوثه في مواقف معينة، وتضع نماذج لما تقدره الإدارة.
- الرموز: التمثيلات المرئية للشركة بما في ذلك الشعارات والهوية المرئية، وطراز المكاتب وديكوراتها، وقواعد الملابس الرسمية وغير الرسمية.
- الهيكل التنظيمي: يشمل هذا كل من الهيكل الذي يحدده المخطط التنظيمي، وخطوط القوة والتأثير غير المكتوبة والضمنية التي تحدد من تعد مساهماتهم الأكثر قيمة.
- أنظمة التحكم: الأنظمة المستخدمة للتحكم في الشركة، وتشمل الأنظمة المالية وأنظمة الجودة والمكافآت (بما في ذلك طريقة قياسها وتوزيعها داخل المنظمة).هياكل السلطة: جيوب القوة الحقيقية في الشركة. يمكن أن يشمل ذلك واحدًا أو اثنين من كبار المسئولين التنفيذيين، أو مجموعة كاملة من المسئولين التنفيذيين، أو حتى إدارة بأكملها. هياكل السلطة هم الأشخاص الذين لديهم أكبر قدر من التأثير في القرارات والعمليات والتوجيه الاستراتيجي.
مخطط ثقافة جونسون وسكولز
الصورة رقم 2: رسم تخطيطي اقتبسه برنارد روس، مركز الإدارة، 2015. صورة أصلية من
Fundamentals of Strategy” by G. Johnson, R. Whittington, and K. Scholes, 2012.
يمكن تقسيم الفئات الست الموضحة أعلاه [4] إلى سلسلة من الأسئلة التي تساعد على تحديد الثقافة الحالية (والمستقبلية). انظر هذا المثال. رسم الإجابات على هذه الأسئلة في مخطط الويب الثقافي يسهل فهم السياق التنظيمي الحالي لديك. هل تناسب الخطة الاستراتيجية «مثل القفاز» هذه الثقافة، أم يمكنك بالفعل تحديد مناطق الاحتكاك أو التوتر؟ من التمارين المفيدة مراجعة كل منطقة مرة أخرى، ولكن هذه المرة محاولة الإجابة عن الأسئلة من وجهة نظر مثالية: إذا نفذت الاستراتيجية بنجاح، فكيف يجب أن تبدو الثقافة؟ سيظهر الفرق بين الخريطتين المجالات التي تحتاج إلى اهتمام: إما من حيث الثقافة المتغيرة، أو من حيث الحواجز التي يجب التغلب عليها لتنفيذ الاستراتيجية.
مع ذلك، فإن الثقافة التنظيمية ليست ذات وجه واحد. فيمكن أن يكون لدى كل شخص في المنظمة فهم مختلف لها، ما قد يزيد من فرص تعطل تنفيذ الخطط الاستراتيجية. لذلك، فإن تقييم ما إذا كان هناك فهم متماسك ومتسق للثقافة التنظيمية هو تمرين مفيد. هذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة إلى المنظمات ذات الوحدات المتعددة، أو حيث يتوزع العاملين في مواقع مختلفة.
هل هناك فهم متماسك ومتسق لثقافتك التنظيمية؟
تعد الدراسة المنشورة في عام 2018 في مجلة «هارفارد بيزنس ريفيو» HBR لجرويسبرج ولي وبرايس وتشينج [5] إطار عمل مفيد لرسم خريطة للثقافة التنظيمية بهذه الطريقة. هذه الدراسة واحدة من أكثر الدراسات شمولاً حتى الآن وتدمج نتائج من أكثر من مائة نموذج اجتماعي وسلوكي ضمن الأكثر استخدامًا. فيرسم المؤلفون خريطة الثقافة وفقًا لعاملين رئيسيين: كيف يعمل الناس معًا (مستقلون – مترابطون) وكيف يتفاعل الناس مع التغيير (الاستقرار – المرونة). توضع تفاعلات الأشخاص على طيف يعكس كيف تقدر المنظمة استقلالية العاملين مقابل التكامل والجهود الجماعية. وستجد على محور «الاستجابة للتغيير» دور التسلسل الهرمي والكفاءة والبنية مقابل الابتكار والتنوع والمرونة.
فيستخدم البعدين كمحاور لرسم 8 أنواع من الثقافة التنظيمية: هي الرعاية، والغرض، والتعلم، والمتعة، والنتائج، والسلطة، والأمان، والنظام. يقدم هذا الفيديو القصير وصفًا موجزًا للأنواع الثمانية، التي يمكن تعيينها على النحو التالي [6]:
الصورة رقم 3: أعيد طباعتها بتصريح من مجلة هارفارد بيزنس ريفيو Harvard Business Review. من
"The Leader's Guide to Corporate Culture" by B. Broysberg, J. Lee, J. Price and J. Yo-Jud Cheng, Jan-Feb 2018.
المصدر: سبنسر ستيوارت. حقوق النشر محفوظة دار نشر هارفارد بيزنس 2018.
طور المؤلفون أيضًا أداة بسيطة لتقييم نوع الثقافة (الثقافات) الأكثر انتشارًا في منظمتك. هذا التمرين مفيد جدًّا في وضع خريطة للاختلافات في فهم الثقافة التنظيمية أفقيًّا، عبر الزملاء، وعموديًّا، عبر المجلس والقيادة والإدارة. من الواضح إلى حدٍّ ما أنه عندما يكون هناك فهم مختلف (أو ما هو أسوأ: فهم متضارب) للثقافة التنظيمية، فإن الناس سوف يفسرون الخطة الاستراتيجية بطرق مختلفة ويتخذون وفقًا لذلك قرارات متناقضة، مما يعرض تنفيذ الخطة للخطر (وينتهي الأمر بقضاء كثير من الوقت عليها).
لماذا تلغي الثقافة الاستراتيجية؟
مراجعة [7] لسبب فشل تنفيذ الخطط الاستراتيجية (ونعم، كانت مستشارتي على حق: قال 3 من أصل 5 عاملين في دراسة دولية كبرى [8] تضمنت عديدًا من المنظمات غير الربحية أن منظماتهم أخفقت في ترجمة الاستراتيجية إلى أفعال) تلقي الضوء على سبب قدرة الثقافة في الواقع على إبطال أي نوايا حسنة لتنفيذ خطة استراتيجية. الأسباب الخمسة وراء، حسب المقولة سالفة الذكر، تناول الثقافة للاستراتيجية على الإفطار هي:
- الفشل في التواصل أفقيًّا. عندما تكون المنظمة غير قادرة على التواصل أفقيًّا بشكل فعال، تتعطل الخطط الاستراتيجية. هذا هو الحال عندما لا يكون هناك اتصال أفقي أو يكون ضعيفًا، ولكن ليس هذا فقط. يحدث ذلك أيضًا عندما يركز الاتصال الأفقي على الحصول على دعم من وحدات أو إدارات أخرى، بدلاً من العمل معًا لتنفيذ الاستراتيجية (هل يرغب أحد في مزيد من الاجتماعات بين الإدارات؟).
- الالتزام بالخطة، حرفيًّا. الخطة هي خارطة طريق تتطلب تخصيصًا ديناميكيًّا للموارد لتنفذ. ويعد امتلاك الاستقلالية لإجراء هذه التغييرات أمرًا ضروريًّا، ولكن أيضًا التأكد من عدم اتخاذ القرارات بسرعة كبيرة أو بمعلومات محدودة، مع إغفال الاستراتيجية.
- توصيل الاستراتيجية، ولكن لا يفهمها العاملون ولا يملكوها. حتى عندما تكون الخطة الاستراتيجية مصممة بشكل جميل ومنظمة بشكل جيد، فلن تكون ذات فائدة كبيرة إذا لم يفهمها العاملون بشكل فعال. لا تترك هذه المراجعة مجالًا كبيرًا للأمل: 55٪ من المديرين المتوسطين غير قادرين على تسمية حتى إحدى الأولويات الاستراتيجية العليا لشركاتهم (هذا في الواقع تمرين مفيد لأي شخص: هل يمكنك تسمية الأهداف الاستراتيجية لمنظمتك؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد لا تكون استراتيجية إلى هذا الحد بعد كل شيء).
- كثير من التركيز على النتائج. عندما يكون معيار التقييم الرئيسي للعاملين هو الأداء (أي النتائج)، تتخلف المهارات الأخرى مثل الابتكار والتعاون والطموح ولا تقيم. كذلك فإن الثقافة التي تركز على النتائج ستؤدي إلى تقديرات متحفظة للأهداف المستقبلية، خوفًا من عدم القدرة على تحقيقها.
- الاعتماد المفرط على كبار المديرين والقيادة العليا. عندما تُترك كثير من القرارات لكبار المديرين أو للرئيس التنفيذي/ المدير، يفقد العاملون القدرة على حل الأمور مع زملائهم في الوحدات الأخرى، مما يخلق خطر تصعيد النزاعات بدلاً من حلها.
من السهل أن نرى كيف يمكن للثقافة أن تخرج حتى أفضل خطة إستراتيجية عن مسارها. على سبيل المثال، عندما تكون هناك حاجة لعقد اجتماعات للدفاع عن وإقناع زملائك بالأفعال التي ترغب في تنفيذها، فقد يكون ذلك أحد أعراض ضعف الاتصال الأفقي. وبالمثل، عندما تتجاوز الرغبة في أن يحقق بعض العاملين نتائج الأفعال الأخرى، فقد يكون ذلك علامة على ثقافة ضعيفة تفقد مسار الاستراتيجية العامة. فهل من الأفضل التخلي عن التخطيط الاستراتيجي كليًّا إذًا؟ أم أن تغيير الثقافة التنظيمية هو الخيار الوحيد لجعل الاستراتيجية تعمل؟
أحذر من التخلي عن التخطيط الاستراتيجي كليةً (على الرغم من أن السؤال يُطرح في كثير من الأحيان ما يجعل المرء يتخيله). فبدون خطة استراتيجية، تتخذ القرارات بناءً على المشاعر الفردية وأفضل التخمينات. ويحدث النجاح عرضيًّا، كما يمكن للجميع اتخاذ «قرارات محظوظة» بناءً على الفطرة السليمة. ولكن سيكون من الخطير جدًّا ترك القرارات للحس السليم أو العادات أو التقاليد وحدها، لا سيما في منظمة معقدة حيث يعمل عديد من الأشخاص معًا من أجل قضية مشتركة. هناك حالات لا توصف فيها الاستراتيجية بشكل صريح في الخطة ولكنها موجودة ومشتركة ومفهومة عبر المنظمة. عادةً ما يكون هذا هو الحال بالنسبة للشركات المبتدئة؛ حيث يتم تبادل كمية لا تصدق من المعلومات بين جميع العاملين ويكون هناك تماسك متين للغاية. قد يبدو أنه لا توجد استراتيجية لأنه لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليها أو تدوينها، بينما يوجد في الواقع فهم كامل لما تتجه إليه المنظمة وما تحتاج إليه من أجل التقدم.
الصورة رقم 4: يلتقي العاملون من مواقع جاليري العلوم في جميع أنحاء العالم مرتين سنويًّا
لبناء ثقافة شبكتنا وتغذيتها. اجتماع بجاليري العلوم في لندن، يوليو 2019.
مع المعدل الحالي للتغيير في العوامل الخارجية (في حالة مجالنا، فكر فقط في مدى سرعة التغييرات الدراماتيكية في السياسة المحلية والدولية؛ وفي تطور العلوم والتكنولوجيا؛ وفي الخيارات الترفيهية؛ إلخ) قد يكون من الصعب «التمسك بالخطة» لأنها سرعان ما تصبح قديمة. ولكن هل عدم وجود خطة هو الخيار الأفضل؟ بدون خطة يكمن الخطر في الاستمرار في عمل ما نجيده، الذي يمكن أن يكون خيارًا مريحًا، ولكنه محفوفًا بالمخاطر للغاية عندما تتغير البيئة الخارجية بسرعة. التخطيط ضروري، ولكن من المهم التأكد أن العملية الاستراتيجية تبدأ أولاً بتقييم الثقافة التنظيمية، مع الأخذ في الاعتبار أنه قد تكون هناك وجهات نظر مختلفة تمامًا عبر المنظمة. بالأخص يجب أن يأخذ التخطيط قصير المدى (1-3 سنوات) في الاعتبار الثقافة الحالية قدر الإمكان؛ ليس فقط من حيث المهمة والرؤية والقيم، ولكن مع الخرائط الأكثر دقة للثقافة الموضحة أعلاه.
لا تفقد الأمل في التخطيط الاستراتيجي، ولكن ابدأ بالثقافة
إذا كان هناك أي جوانب من الاستراتيجية لا يمكن تطبيقها لأنها تتعارض مع الثقافة الحالية، فمن المهم جدًّا معرفتها. يجب أن تكون القيادة والمجلس دائمًا في موقع معرفة بالعقبات الداخلية التي قد تعترض تنفيذ الخطة الاستراتيجية؛ حيث إن الخيار الوحيد لمعالجتها غالبًا ما يكون التغيير في القيادة و/ أو هياكل السلطة.
الخلاصة: تغيير الخطط والثقافة ونفسك
إن تغيير الثقافة التنظيمية ليس بالمهمة السهلة، وبالتأكيد ليس شيئًا يحدث بين عشية وضحاها. في الواقع، إنها عملية معقدة بشكل لا يصدق، وسيكون من الظلم محاولة تلخيصها في هذا المقال. ففي أغلب الأحيان، يتطلب تغيير الثقافة (أو يعتمد على) تجديد وظائف العاملين، وهي عملية دقيقة دائمًا. ولكن تعقيد تغيير الثقافة لا ينبغي أن يكون سببًا لعدم الحديث عنها داخل المنظمة. فسيتفق عديد من القادة على أهمية الثقافة، ولكن في الحقيقة أقلية فقط تجعلها جزءًا من نشاطهم اليومي، والنتيجة هي أن الثقافة لا تتغير، أو الأسوأ من ذلك، أن يطور العاملون مقاومة للتغيير أو يقودونها في اتجاه غير متسق مع الاستراتيجية. قد يكون الحديث عن الثقافة صعبًا، أو حتى غير مريحًا، ولكنه ضروري للغاية.
ما لم يكن الوضع مأساويًّا حقًا وهناك حاجة إلى «إعادة تشغيل» كاملة للمنظمة، يمكن أن تسير العملية الاستراتيجية والتغيير التنظيمي جنبًا إلى جنب. عادة ما يكون تطوير خطة استراتيجية أسهل من تغيير الثقافة، ويمكن أن يكون طريقة جيدة لتسليط الضوء على الحاجة إلى تغيير ثقافي. وفي الواقع، يمكن أن تكون عملية تطوير الخطة اختبارًا لتقييم مستوى التماسك داخل المنظمة، ودوافع العاملين لتنفيذ الخطة، والمستوى اللاحق لملكية القرارات.
بالعودة إلى المثال الخاص بي، بمجرد الاتفاق على خطة وتدوينها، بدلاً من محاولة تنفيذها بأي ثمن ومواجهة المشكلات الموضحة أعلاه، وجدت أنه تمرين مفيد للغاية قضاء الأشهر القليلة الأولى من مرحلة التنفيذ للنظر في أربع عمليات من شأنها الكشف عن مدى «ثبات» الخطة داخل المنظمة. العمليات الأربع للمتابعة والاستخدام كروافع هي:
- من لديه حقوق اتخاذ القرار بشأن الخطة. هذه العملية هي المفتاح لفهم ما هي هياكل السلطة الفعلية في المنظمة.
- كيف تتدفق المعلومات: كم وأنواع الاجتماعات الضرورية لمشاركة المعلومات الضرورية لللشروع في العمل. غالبًا ما نشكو من وجود عدد كبير جدًّا من الاجتماعات وأنها غير فعالة –قد يكون هذا أحد أعراض عدم الاتساق بين الثقافة والاستراتيجية.
- ما الدوافع التي تدفع العاملين لاتخاذ القرارات أو تأخيرها. على سبيل المثال، يمكن أن يتسلل الخوف من ارتكاب الأخطاء بسهولة إلى المنظمة، فضلاً عن عدم القدرة على اتخاذ القرارات نتيجة للانغمار أو الإرهاق أو عدم المشاركة أو عدم التمكين.
- أخيرًا، ضع هيكلًا تنظيميًّا يأخذ النقاط الثلاث المذكورة أعلاه في الاعتبار ويوائمها مع الخطة الاستراتيجية.
قد يبدو كل شيء مجردًا وتحليليًّا بعض الشيء، ولكن في الحقيقة الشيء الأساسي الذي يجب تذكره هو أن أي نوع من التغيير يبدأ بنفسك. بغض النظر عن منصبك داخل المنظمة، لن يحدث كثير إذا كنت تتوقع أن يتغير الأشخاص الآخرون في أثناء بقائك في منطقة الراحة الخاصة بك. إن المفاضلة بين طموحاتك ورؤيتك وما يمكنك تنفيذه فعليًّا هي نتيجة لعملية مستمرة من التغيير الفردي والتنظيمي، والمقاومة أيضًا (للحصول على مثال جيد عن كيفية «مقاومة» الثقافة التنظيمية عندما يكون التغيير غير مرحب به، اقرأ «ثلاث سنوات من البؤس داخل جوجل، أسعد شركة في عالم التكنولوجيا» في مجلة «وايرد» [9]).
عملية مستمرة للتغيير الفردي والتنظيمي
بالنظر إلى هذا التخطيط الاستراتيجي قبل ثلاث سنوات، يسعدني أني تلقيت النصيحة من مستشارتي. ونأمل ألا نكون تركنا الثقافة تأكل خطتنا الاستراتيجية على الإفطار؛ عوضًا عن ذلك، رعينا وشكلنا ثقافة لا تحتاج إلى التهام الاستراتيجية، بل تدعمها وتشتق منها. لقد غيرنا خططنا عدة مرات، ولكن الأهم من ذلك أننا غيرنا أنفسنا.
[1] See for instance the stats revealed by Neilson G. L., Martin K. L. and Powers E. (2008), The Secrets to Successful Strategy Execution, Harvard Business Review, June 2008 issue. According to data cited in the article, only 55% of managers can name one strategic priority and 3 out of 5 executives say their companies don't execute their strategic plans.
[2] The quote comes from Peter Drucker, management consultant and author of several books about strategic planning.
[3] Johnson, G. (1992). Managing strategic change—strategy, culture and action. Long range planning, 25(1), 28-36.
[4] Source: "Culture eats strategy for breakfast - Transforming results by changing beliefs and behaviours", Bernard Ross, The Management Centre, 2015, found at https://www.managementcentre.co.uk/culture-eats-strategy-for-breakfast. Diagram adapted from “Fundamentals of Strategy” by G. Johnson, R. Whittington, and K. Scholes. Published by Pearson Education, 2012.
[5] Groysberg, B., Lee, J., Price, J., & Cheng, J. Y. J. (2018). The leader’s guide to corporate culture. Harvard Business Review, June 2018 issue.
[6] Reprinted by permission of Harvard Business Review. From "The Leader's Guide to Corporate Culture" by B. Broysberg, J. Lee, J. Price and J. Yo-Jud Cheng, January-February 2018. Source: Spencer Stuart. © 2018 by Harvard Business Publishing; all rights reserved.
[7] Sull D., Homkes R., Sull C. (2015), Why Strategy Execution Unravels - and What to Do About It, Harvard Business Review, March 2015 issue.
[8] See Neilson et al. (2008).
[9] Tiku, N. (2019). Three Years of Misery Inside Google, the Happiest Company in Tech, Wired Magazine, September 2019 issue.