حوار أجرته: إيناس عيسى
«يمكن القول إن ليس كل الاختراقات العلمية تحدث من خلال البحث والاكتشاف المخطط. ففي بعض الأحيان، تجد الأشياء عن طريق الصدفة. لذلك، يجب أن يكون الشخص شجاعًا وأن يجرب أشياء مختلفة. حتى أكثر الأفكار بساطة يمكن في بعض الأحيان أن تتحول إلى اختراعات وابتكارات رائعة.»
كُرمَت الدكتورة أثير عوض مؤخرًا بصفتها واحدة من بين خمسة عشر مبتكرًا من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحت سن 35 عامًا من قبل دورية التكنولوجيا التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Technology Review؛ لعملها المتميز والفعال للغاية. ويتضمن بحثها الحالي في كلية لندن الجامعية UCL الطباعة ثلاثية الأبعاد للأدوية الشخصية التي تتيح للمرضى تلبية احتياجاتهم بدقة، عوضًا عن تقديمها من خلال جرعات عامة من المكون الصيدلاني النشط وطرق تطبيق الأدوية التي قد لا تكون مناسبة لهم.
الرابطة: أخبرينا قليلاً عن نفسك وعن دراستك ومسيرتك المهنية.
د. أثير: أنا أردنية الجنسية ولكني ولدت ونشأت في دولة الإمارات. حصلت على درجة البكالوريوس في الصيدلة من جامعة العلوم التطبيقية في الأردن. من ثم حصلت على درجة الماجستير في الصيدلانيات من كلية الصيدلة بكلية لندن الجامعية. في أوائل عام 2021، أكملت درجة الدكتوراه في الصيدلانيات في الكلية ذاتها؛ حيث ركز بحثي على تصنيع أنظمة توصيل الأدوية والأجهزة القابلة للزرع باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد. حاليًّا، أعمل زميلَ باحث في كلية الصيدلة بكلية لندن الجامعية، وأبحث في استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها من تقنيات الصحة الرقمية لتحسين توصيل الأدوية الخاصة بالموقع إلى القولون كجزء من مشروع Interreg 2 Seas Mers Zeeën لعقار الموقع، الذي يموله صندوق التنمية الإقليمية الأوروبي.
الرابطة: ما الدافع وراء ممارستك مهنة الصيدلة؟
د. أثير: في الواقع، لم أنوِ قط امتهان الصيدلة؛ لقد كان قرارًا مفاجئًا اتخذته بعد أن أنهيت دراستي الثانوية. لأكون صريحة، كان هذا من الأشياء التي لم أخترها، بل اخترتني هي.
ولكن بالنظر إلى الوراء الآن، فأنا متأكدة من أنني اتخذت القرار الصحيح. في رأيي، تكمن قوة الصيدلة في تأثيرها في حياة الناس والقدرة على تزويدهم بالأدوية التي يحتاجون إليها. وهذا ما يدفعني للاستمرار في هذا المجال.
الرابطة: كيف قدمت العلوم لك في أثناء الطفولة؟ بشكل مثير للاهتمام؟ أم كشيء للرجال فقط؟ أو كأمر يتطلب جهدًا كبيرًا؟
د. أثير: سواء في المنزل أو في المدرسة، لطالما قدمت العلوم لي كموضوع مثير للاهتمام. فمنذ صغري تعلمت أن العلم يدور حول أن نكون فضوليين وأن يكون لدينا رغبة في اكتشاف أشياء جديدة ومختلفة من حولنا.
أعتقد أن هذا الفضول الذي نما بمرور الوقت هو ما ساعدني على تجاوز حدود العلم. ولا شك في أن العلم يتطلب جهدًا؛ فكما يقول المثل: «الأشياء الجيدة لا تأتي بسهولة في الحياة». عندما تريد أن تحقق شيئًا كبيرًا في الحياة، يجب أن تعمل بجد حتى تتمكن من تذوق ثمار النجاح.
الرابطة: من كان مصدر الدعم والتوجيه الرئيسي بالنسبة إليك؟ ومن كان نموذجًا يحتذى به في العلم، والذي جعلك أكثر اهتمامًا به؟
د. أثير: مصدري الرئيسي للدعم والتوجيه هو والديَّ. وأنا ممتنة إلى الأبد لتشجيعهما المستمر ومساندتهما لي وحرصهما على دعمي بكل طريقة ممكنة.
مصدر رئيسي آخر للدعم في حياتي، وكذلك قدوتي، هو أخي الأكبر؛ فهو مشغوف حقًّا بعمله ويتفوق في ما يفعله. ولديه رغبة مستمرة في التعرف على التقنيات الجديدة وإيجاد طرق جديدة يمكن أن تغير العالم. وأنا مثله، أريد الاستمرار في استكشاف أشياء جديدة والتعلم على طول الطريق. أريد أن أصعد سلم التفوق الأكاديمي بينما أستمتع بكل لحظة وأثمِّنها.
أخيرًا وليس آخرًا، لن أنسَ مرشديي وزملائي في كلية لندن الجامعية، الذين يحفزونني ويلهمونني دائمًا بطرق مختلفة، مما يمنحني الثقة للقيام بالعمل الذي أحبه.
الرابطة: ما الأفكار التي كنتِ تؤمنين بها قبل الدخول في المجال العلمي والتي تغيرت بعد ذلك؟
د. أثير: أعتقد أن أحد الأشياء التي غالبًا ما يغفلها الناس هو أنه، في أغلب الحالات، لا تأتي الفكرة أو الاختراع الجديد من شخص واحد. عوضًا عن ذلك، تتطور الأفكار من خلال العمل الجماعي والتواصل وتبادل الخبرات. وبالتالي، فإن أحد الدروس المستفادة ألا أقول «لقد أنجزت» ولكن بالأحرى «لقد أنجزنا». هذا هو السبب في أننا في «مجموعة أبحاث البسيط» Basit Research Group نشير إلى أنفسنا كعائلة واحدة تتشارك العمل الجاد والنجاحات.
علاوة على ذلك، هناك شيء آخر أدركته وهو أن الأفكار الصغيرة تحتاج إلى الوقت والجهد معًا لتصبح أفكارًا عظيمة. وبالتالي، يجب على المرء التحلي بالصبر والمثابرة للوصول إلى هدفه.
الرابطة: ما التحديات التي واجهتيها على طول الطريق وكيف أمكنك التغلب عليها؟ هل كانت التحديات في أثناء الدراسة مماثلة لتلك التي واجهتيها في العمل؟
د. أثير: أحد التحديات المبكرة التي واجهتها هو جعل نفسي أحب الصيدلة عندما لم أنو دراستها في البداية. ففي البداية، كل ما رأيته هو الأشياء التي لم تعجبني في الصيدلية. ولكن بعد ذلك، مع مرور الوقت، تعلمت أن أقدر الأشياء الجيدة في هذا المجال والتركيز على التأثير الإيجابي له في حياة الناس. لقد أعطاني منظورًا جديدًا تمامًا للحياة وتقديرًا جديدًا للعلم.
تحدي آخر لا أزال أواجهه حتى في عملي الآن هو مدى الإحباط الذي قد يسببه الحصول على بيانات ونتائج سلبية و/ أو غير متوقعة. قد يكون هذا مرهقًا جدًّا ويضع الشخص تحت ضغط كبير. ومع ذلك، مع الوقت والخبرة، يتعلم المرء أن الإحباط لن يؤدي إلا إلى إرباكه أكثر وأن كل ما هو مطلوب في بعض الأحيان هو قليل من الصبر والمثابرة. علاوة على ذلك، من المهم أن نتذكر أنه لا يوجد شيء اسمه «البيانات السلبية» في العلم. فتعد جميع أنواع البيانات، سواء كانت جيدة أو سيئة، بيانات إيجابية توفر مزيدًا من المعرفة والبصيرة.
الرابطة: ما الذي تعلمتيه من ممارسة مهنة في العلوم؟ أشياء لم تعرفيها أو لم تفكري فيها من قبل؟
د. أثير: لقد علمتني ممارسة مهنة علمية أشياء كثيرة؛ أحدها أنه يجب ألا يتوقف الشخص عن التعلم أبدًا. نحن نعيش في عالم ديناميكي؛ حيث تحدث اكتشافات علمية جديدة كل يوم تقريبًا. فلا يوجد شيء اسمه «أعرف كل شيء». وبالتالي، للبقاء في الصدارة، يجب على المرء أن يواصل القراءة والتفكير والبحث عن المعرفة في كل مكان يذهب إليه.
يمكن القول أن ليس كل الاختراقات العلمية تحدث من خلال البحث والاكتشاف المخطط؛ ففي بعض الأحيان، تجد الأشياء عن طريق الصدفة. لذلك، يجب أن يكون الشخص شجاعًا وأن يجرب أشياء مختلفة. حتى أكثر الأفكار سخافة يمكن في بعض الأحيان أن تتحول إلى اختراعات وابتكارات رائعة.
الرابطة: ما أكثر شيء تحبيه في مجال عملك ويجعلك متشوقة للمضي قدمًا؟
د. أثير: أكثر ما أحبه في البحث، وخاصة الطباعة ثلاثية الأبعاد، أن كل يوم هو يوم جديد ومثير. بعبارة أخرى، هذه التكنولوجيا والآفاق التي تحملها لا تفشل أبدًا في إبهاري.
ففي أحد الأيام نطبع أقراص للأطفال بأشكال وألوان ونكهات مختلفة، مما يسمح لهم بتصميم الأدوية التي يحبونها ويرغبون في تناولها. وفي اليوم التالي، نطبع قرص واحد بستة عقاقير مختلفة لتحسين نوعية حياة عديد من المرضى المسنين. وفي يوم آخر، نطبع أقراص برموز استجابة سريعة ومصفوفات بيانات، مما يتيح للمرضى الوصول إلى الوصفات الطبية الرقمية في أي مكان وفي أي وقت، حتى في أثناء التنقل. حقًا، إمكانيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لا حصر لها.
أنا أعمل في هذا المجال منذ ما يقرب من سبع سنوات الآن، وما زلت متحمسة له بقدر ما كنت في أول يوم، إن لم يكن أكثر!
الرابطة: أخبرينا مزيدًا عن آخر إنجازاتك.
د. أثير: في عملي، أحاول التركيز بشكل أساسي على إيجاد طرق يمكن من خلالها تنفيذ الطباعة ثلاثية الأبعاد في الممارسة الصيدلانية للمساعدة على تحسين نوعية الحياة. بمعنى آخر، محاولة العثور على مؤشرات أو حالات طبية حيث يمكن أن تعمل الطباعة ثلاثية الأبعاد كميسر لتعزيز كفاءة العلاج.
لقد أظهرنا أنه يمكن استغلال هذه التقنية في ابتكار أدوية مرنة مناسبة للمرضى من مختلف الفئات العمرية أو الذين يعانون من حالات مرضية مختلفة. بدءًا من أقراص الدواء الواحد أو الأدوية المتعددة، والكبسولات والحبوب، ووصولاً إلى الأجهزة الطبية والغرسات المصممة حسب الطلب، فإن قدرة هذه التقنية لا يحدها إلا خيال الفرد.
على سبيل المثال، أوضحنا كيف يمكن استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء أقراص للمكفوفين وضعاف البصر، مما يمكنهم من التعرف على أدويتهم وتمييزها، حتى عند إخراجها من عبواتها الأصلية أو في حالة عدم وجود مشرف. في نهج آخر، أظهرنا أنه يمكن الجمع بين أكثر من دواء واحد في شكل جرعة واحدة (على سبيل المثال، قرص أو حبة)، مما يقلل عبء الفاتورة على المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة متعددة ويبسط خطة العلاج الخاصة بهم.
في الآونة الأخيرة، طورنا طابعة ثلاثية الأبعاد تعمل باستخدام شاشة جهاز الهاتف الذكي. فيسمح الحجم الصغير للنظام وقابلية حمله باستخدامه في العيادة أو في المنزل أو حتى في أثناء التنقل. وبالتالي، تحسين وصول الأدوية وتقليل العبء على الممارسين والمؤسسات الصحية.
تتمثل إحدى نقاط القوة في هذه التقنية في طبيعتها الرقمية، مما يسمح بدمجها مع الأدوات الرقمية والإلكترونية الأخرى، مثل الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار الحيوية والروبوتات والطائرات بدون طيار. لذلك، يتمثل اتجاهنا المستقبلي في إظهار كيفية دمج تلك التقنيات بعضها مع بعض للمساعدة على تطوير نموذج رعاية صحية رقمي جديد.
الرابطة: ماذا تقولين للفتيات الصغيرات اللائي يرغبن في الدراسة وممارسة مهنة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؟
د. أثير: حددي أهدافك واعملي بكد لتصلي إلى النجاح واتبعي أحلامك. لا تخافي أبدًا من الفشل، والأهم من ذلك، تعلمي من التجارب، الإيجابية منها والسلبية. أخيرًا، تذكري دائمًا أنه بينما قد يكون البحث صناعة يهيمن عليها الذكور فإن النساء قد حققن مكاسب كبيرة في مختلف المجالات، لذلك آمني دائمًا بنفسك وبقدراتك. أنتِ لستِ وحدك؛ يوجد مجتمع كامل من النساء لدعمك وتحفيزك. ويجب أن أشير كذلك إلى أن الدعم لا يأتي فقط من النساء الأخريات؛ ففي الواقع، ستندهشين من عدد الرجال الذين يهتمون بصدق ويقطعون شوطًا إضافيًّا لتوفير فرص عادلة للنساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
الرابطة: كيف تحاولين توصيل المعرفة العلمية التي اكتسبتيها؟ ما الطرق الممكنة لنشر معرفتك؟
د. أثير: أعتقد أن جزءًا من توصيل المعرفة هو زيادة الوعي بالمشكلات المحيطة بنا. وبالتالي، أبدأ دائمًا مناقشتي بتحديد العقبات الحالية التي تواجه صناعة الأدوية. من المهم أيضًا في التواصل العلمي الحرص على نقل المعلومات باستخدام أبسط لغة ممكنة، دون استخدام مصطلحات متخصصة قد يصعب فهمها. كما قال ألبرت أينشتاين ذات مرة: «إذا كنت لا تستطيع شرح الأمر ببساطة، فأنت لا تفهمه بما يكفي».
فلا ينبغي أن يكون التواصل العلمي مقصورًا على دور صناعي معين أو خلفية علمية أو عمر معين؛ بل يجب إتاحته لجماهير مختلفة. لذلك، أحاول دائمًا توصيل معرفتي العلمية بطرق مختلفة، مثل كتابة الأوراق العلمية أو فصول الكتب، أو تقديم الملصقات، أو تقديم العروض التقديمية الشفوية، أو حتى من خلال إلهام بنات إخوتي. يساعد هذا في جذب انتباه مختلف الأشخاص، بما في ذلك العقول الشابة.
علاوة على ذلك، في الوقت الحاضر، تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا دورًا فيما يتعلق بالنشر. وبالتالي، لا ينبغي لأحد أن يقلل من قوتها بل ينبغي الاستفادة من هذه التكنولوجيا بكل طريقة ممكنة للمساعدة في نشر المعرفة إلى جمهور أكبر.
الرابطة: ما هي خططك المستقبلية؟
د. أثير: أعمل حاليًّا في الأوساط الأكاديمية وخططي المستقبلية هي الاستمرار في التقدم؛ أن أستمر في إجراء البحوث التي تعجبني، واستكشاف أشياء جديدة ومشاركة المعرفة مع العالم بأسره. على المدى الطويل، أطمح إلى إحداث فرق حقيقي في مجال الصيدلة؛ فرق كبير بما يكفي ليذكر بأنه تراثي، بصفتي عالمة وإنسانة.