بقلم: إيناس عيسى
لطالما كان التمتع بذاكرة قوية رغبة لكثيرين منا في أثناء الدراسة والعمل وإجراء المهام التي تتطلب تذكر المعلومات المكتسبة سابقًا للنجاح والتصرف بشكل صحيح في الموقف الحالي. ومع ذلك، في أوقات أخرى صعبة، نود أن ننسى وأن نبقى غافلين بينما تتسلل الذكريات غير المرحب بها إلى أذهاننا.
بشكل عام، لا تعمل ذاكرتنا وفقًا لرغباتنا؛ فالأمر أكثر تعقيدًا. ربطت الأبحاث السابقة النسيان بالذكاء؛ حيث تعمل الذاكرة على تحسين عملية اتخاذ القرار من خلال تذكر المعلومات المهمة فقط، وإرسال المعلومات الأقل أهمية إلى الخلفية لإفساح المجال لما هو مهم فقط. ومع ذلك، تشير دراسة جديدة نُشرت في دورية «مراجعات دورية الطبيعة في علم الأعصاب» Nature Reviews Neuroscience إلى أن النسيان يمكن أن يكون شكلاً من أشكال التعلم.
إنشاء ونسيان ذكريات لا حصر لها
على مدار الحياة، ننشئ عددًا هائلاً من الذكريات، فيمكننا أن نتذكر بعضها في حين ننسى بعضًا آخر. ومع ذلك، فإن ما ننساه لا «يتحلل» كما قد يفترض بعضٌ؛ لأن النسيان في حد ذاته ليس بالأمر السيئ. يقترح مؤلفو الدراسة الجديدة أن التغييرات في قدرتنا على تذكر ذكريات معينة ترتبط بالتغذية الراجعة البيئية والقدرة على التنبؤ. فيمكن أن يكون النسيان رد فعل من الدماغ تجاه البيئة؛ لتكون قادرًا على التفاعل بشكل ديناميكي وصحيح.
يسلط البحث الجديد الضوء على كيف يمكن أن يكون النسيان مصدر ارتياح في عالم اليوم الديناميكي المليء بعديد من الأحداث، مما يعني أن مثل هذا النسيان يمكن أن يؤدي إلى سلوك أكثر مرونة. لذلك، إذا اكتسبت الذكريات في ظروف مختلفة أو غير ذات صلة بالبيئة الحالية، فقد يكون نسيانها تغييرًا إيجابيًّا يحسن رفاهيتنا وصنعنا للقرار. علاوة على ذلك، سيفيدنا ذلك من خلال الاحتفاظ بالذكريات المهمة فقط في موقف معين.
تغيير الذكريات وليس ضياعها
تشير الدراسة الأخيرة إلى أن النسيان لا يعني فقدان الذاكرة؛ ومع ذلك، في بعض الحالات، يحدث ذلك بسبب تغيير الوصول إلى الذاكرة. يقول الدكتور توماس رايان، الأستاذ المساعد في كلية الكيمياء الحيوية وعلم المناعة ومعهد ترينيتي كوليدج لعلم الأعصاب في كلية ترينيتي في دابلن: «تخزن الذكريات في مجموعات من الخلايا العصبية تسمى خلايا إنجرام والاستدعاء الناجح لهذه الذكريات يتضمن إعادة التنشيط من هذه المجموعات. والامتداد المنطقي لهذا هو أن النسيان يحدث عندما لا يمكن إعادة تنشيط خلايا إنجرام. فلا تزال الذكريات نفسها موجودة، ولكن إذا تعذر تنشيط المجموعات المحددة، لا يمكن استرجاعها. يبدو الأمر كما لو أن الذكريات مخزنة في خزنة ولكن لا يمكنك تذكر الشفرة لفتحها».
يضيف د. ريان أن النظرية الجديدة المقترحة في هذه الدراسة تسلط الضوء على أن النسيان يحدث بسبب إعادة تشكيل الدائرة التي تحول مجموعات الخلايا من حالة يمكن الوصول إليها إلى حالة يتعذر الوصول إليها. ونظرًا لأن النسيان يتأثر بالظروف البيئية، فهذا يعني أنه في الواقع شكل من أشكال التعلم، مما يغير إمكانية الوصول إلى الذاكرة بما يتماشى مع البيئة ومدى إمكانية التنبؤ بها.
مراجع
utoronto.ca
nature.com
sciencedaily.com