بقلم: إيناس عيسى
ما يجعلنا نحب بعض الأماكن ونرغب في زيارتها عدة مرات، في حين نشعر بالغربة حيال أماكن أخرى هو الشعور بالانتماء الذي تمنحه بعض الأماكن وتفتقر إليه أماكن أخرى. المدارس وبيئات التعلم ليست استثناءً؛ فإذا اجتذبت مساحة التعلم زوارها، وجعلتهم يشعرون بالترحيب والانتماء إليها، ستحقق نتائج أفضل. ولكن، كيف يمكن أن يكون هذا مهمًّا لإثراء مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM؟
مناخ بيئة التعلم
أشارت الأبحاث السابقة إلى أهمية المناخ المدرسي لتشكيل النتائج التعليمية. عندما يتمتع الطلاب بمناخ مدرسي أكثر إيجابية، فإنهم يختبرون نتائج إيجابية واسعة النطاق، بما في ذلك التطور الإيجابي، وانخفاض السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، وتحسن النتائج الصحية، وارتفاع معدلات التحصيل الأكاديمي والتخرج. بالإضافة إلى ذلك، كلما كان مناخ بيئة التعلم أكثر دعمًا، أصبح التوجه أكثر إيجابية نحو العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
ومع ذلك، فإن مناخات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ليست دائمًا داعمة، مما قد يؤدي بالمشاركين الواعدين الذين يشعرون بالتهميش إلى ترك مساعي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بمعدلات عالية. هذا ما دفع الباحثين في دراسة حديثة من جامعة ولاية كارولينا الشمالية لفحص العلاقة بين الشعور بالانتماء والتضمين والمشاركة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
سمات بيئات التعلم الداعمة وغير الداعمة
يجب إنشاء بيئات تعلم داعمة:
- وضع معايير اجتماعية ثقافية مناسبة للعمل بفاعلية واحترام بعضنا مع بعض؛
- تقديم الخبرات التي توحد الممارسات العرفية، مثل استضافة حدث ثقافي؛
- تقدير المعارف والخبرات السابقة للطلاب؛
- تقديم أنشطة أو تجارب تعليمية مثيرة للاهتمام والتحدي؛
- تقديم نموذج للممارسات الفعالة والمنتجة والتدريب عليها؛
- احترام لغات الطلاب، مثل البحث عن ترجمة لبعض المفاهيم الأساسية إلى لغات الطلاب.
من ناحية أخرى، حاول تجنب:
- تعميق الاختلافات في اللغة التي يستخدمها المتعلمون من خلال تأكيد مدى اختلافها بطريقة سلبية؛
- التركيز على طريقة التدريس التي تناسب قليلين منهم فقط، وليس كلهم، لمجرد أنها مستخدمة على نطاق واسع.
تعزيز تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات
أوضح الباحثون كيف يساعد الشعور بالانتماء والتضمين في الفصول المدرسية على تعزيز تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بالإضافة إلى جعل الطلاب يشعرون بأنهم قادرون على العمل على موضوعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات حتى خارج هذه البيئات. هذا الشعور بالانتماء يجعلهم أكثر حماسًا للانخراط في الفصل الدراسي، وهو ما يرتبط أيضًا بمزيد من التحفيز. علاوة على ذلك، يشعرون أنهم أكثر قدرة على استخدام هذه المعرفة المستفادة من مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في حل المشكلات الأخرى.
وعلى عكس ذلك، فإنهم عندما يفتقرون إلى هذا الشعور بالانتماء ويواجهون معاملة متحيزة، فإن هذا يمثل حاجزًا أمام المثابرة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. يشير المؤلفون إلى أن تعزيز المشاركة يمكن تحقيقه من خلال بناء فصول دراسية أكثر تضمينًا في الإعدادات والعلاج.
تعزيز الانخراط في بيئات التعلم
ستساعد النصائح التالية في جعل بيئة التعلم جذابة ومناسبة أكثر للمتعلمين من خلفيات مختلفة:
- بناء علاقات إيجابية مع الطلاب لمعرفة ما يحتاجون إليه وما الذي يعجبهم أو لا يحبونه في بيئة التعلم بشكل أفضل؛ على سبيل المثال: استخدام الاستبيانات غير الرسمية.
- قدم أنشطة لكل مستوى؛ لأن مستويات التعلُّم لدى المتعلمين قد تختلف. إن العمل مع المتعلمين الذين يتعلمون بسرعة عالية مع ترك المتعلمين البطيئين وراءهم سيجعلهم يشعرون بالتهميش ويؤدي إلى عواقب سلبية. لذلك، يجب على المعلمين تبني حقيقة أن الطلاب يتعلمون على مستويات مختلفة ويتصرفون بناءً على ذلك.
- وفر فرصًا للتعلم التعاوني واسمح بالدعم. التعلم التفاعلي هو أفضل طريقة لخلق شعور بالتضمين. يمكنك تجميع المتعلمين ذوي القدرات المماثلة أو القدرات المختلطة اعتمادًا على النشاط الذي تنوي القيام به.
تقييم دور التضمين
في الدراسة الأخيرة، أراد الباحثون تقييم كيف يمكن أن يؤثر التضمين، إلى جانب العوامل الأخرى، في التعلم ومتابعة الوظائف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. «نحن بحاجة إلى عاملين في القوى العاملة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ونعلم أن المدرسة الثانوية هي المرحلة التي ينخفض عندها الاهتمام بموضوعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لدى عديد من الطلاب. لقد أطلقنا هذه الدراسة لأننا أردنا تقييم الدور الذي يمكن أن يلعبه التضمين في كيفية نظر الطلاب إلى العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات»، هكذا تقول كيلي لين مولفي، المؤلفة الأول للورقة وأستاذ علم النفس المشارك في ولاية نورث كارولاينا.
أراد علماء التضمين التحقيق في مدى شعور الطلاب بأن الفصل الدراسي يرحب بأجناس ومجموعات عرقية مختلفة. ففي استطلاع متعمق استخدمه الباحثون، سألوا الطلاب عن عدة أمور لتحديد مدى الشعور بالترحيب والدعم أو عدم التأثير في رغبتهم في متابعة الدراسة أو العمل في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
على سبيل المثال، سُئل الطلاب:
- ما مدى التضمين في فصولهم الدراسية في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات STEM؟
- إلى أي مدى عاملهم مدرسو العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بشكل غير منصف؟
- إلى أي مدى يشعرون أنهم ينتمون شخصيًّا إلى فصول العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الخاصة بهم؟
سُئل الطلاب أيضًا عن مدى شعورهم بالانخراط مع فصول العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الخاصة بهم، ومدى شعورهم بقدرتهم على المساعدة على حل مشكلات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في العالم الحقيقي في مجتمعاتهم، مثل عدم الوصول إلى مرافق إعادة التدوير.
إنصاف أقل، تفاعل أقل
كان المشاركون في الدراسة من خلفيات وأصول مختلفة: 34.2٪ من المشاركين في الدراسة كانوا من ذوي البشرة البيضاء/ الأوروبيين الأمريكيين، و33.4٪ كانوا من ذوي البشرة السمراء/ الأمريكيين من أصل أفريقي، و10.5٪ كانوا لاتينيين، 13.4 ٪ على أعراق مختلطة أو أخرى، و8.5٪ من المشاركين اختاروا عدم الإفصاح عن عرقهم.
تقول مولفي: «شعر معظم الطلاب أن فصولهم الدراسية كانت تتسم بالتضمين، وأن المعلمين عاملوهم بإنصاف. ومع ذلك، فكلما تقدم الطلاب في المرحلة الثانوية، قل احتمال اعتبارهم للفصول الدراسية في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على أنها شاملة، وزادت احتمالية إدراكهم لمعاملة غير منصفة من معلميهم. كان هذا صحيحا بغض النظر عن العرق والجنس».
تشير النتائج أيضًا إلى أنه كلما شعر الطالب بأن معلمه أقل إنصافًا، زادت احتمالية تجنبه للانخراط في الفصل. تقول مولفي: «وبالمثل، فإن الطلاب الذين شعروا بأن الفصول الدراسية شاملة شعروا أكثر بالانتماء، مما زاد من مشاركتهم في الفصل وشعورهم بالتمكين لمعالجة قضايا العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في مجتمعاتهم.
من الناحية العملية، تسلط هذه الدراسة الضوء على حقيقة أن الشعور بالانتماء أمر مهم. فتتمثل طريقة تعزيز الانتماء في جعل الأطفال يشعرون بأن فصولهم الدراسية شاملة. على سبيل المثال، يمكن للمعلمين اتخاذ خطوات للتأكد من أن جميع الطلاب يشعرون بالمشاركة ومناقشة العلماء من خلفيات تعكس خلفيات الطلاب». تجرى مزيد من الدراسات لتحديد وتطوير طرق إضافية لدعم الطلاب.
باختصار، تعد المشاركة المدرسية أمرًا بالغ الأهمية في التقاط الخبرات السلوكية والعاطفية والمعرفية والاجتماعية في المدرسة. وتؤدي المدارس وأماكن التعلم دورًا مهمًا في إنشاء مجتمعات شاملة حيث يشعر الطلاب والموظفون والأسر بالترحيب والدعم، بالإضافة إلى خلق فرص للشباب لاكتساب الخبرة ليتم تنفيذها في حياتهم اليومية، خارج هذه المساحات.
مراجع
onlinelibrary.wiley.com
sciencedaily.com
seniorsecondary.tki.org.nz
graduateprogram.org