بقلم: إيناس عيسى
عادة ما يستخدم البالغون شكلاً مبسطًا من الكلام العاطفي في أثناء التحدث إلى الأطفال لجعل الكلمات أجمل وقعًا على الأذن وأسهل في النطق. هذا النوع من الكلام يسمى «موذريز (من كلمة موذر أو أم)» motherese –فلنسميها اللغة «الأمومية»– وهي اللغة التي تتحدثها الأمهات عالميًّا لمواليدهن حديثي الولادة والأطفال الدارجين؛ فيصبح الطعام «مَم»، ويصبح الشراب «إمبو»، إلخ. على الرغم من أن طريقة الاتصال هذه قد يفضلها بعض الأطفال، إلا أن الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد ASD لا يستجيبون لها بشكل جيد. تشير دراسة جديدة نُشرت في يناير 2022 في دورية «نايتشر السلوك البشري» Nature Human Behavior إلى السبب وراء هذه المشكلة.
حديث الأطفال مع المصابين باضطراب طيف التوحد
أبرزت الأبحاث السابقة أن الكلام الموجه للرضع، أو الأمومية، يفضله الأطفال مقارنة بالكلام الشبيه بحديث البالغين؛ لأنه يجذب انتباههم بشكل أفضل ويؤدي دورًا رئيسيًّا في إنشاء الترابط العاطفي وتعزيز خبرات التعلم بين الطفل والوالدين. ومع ذلك، يعاني الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد مع التواصل بشكل جيد مع هذا النوع من الكلام.
في الدراسة الجديدة، عمل الباحثون على اكتشاف مناطق الدماغ والآليات العصبية المسؤولة عن التطور الطبيعي والمعاق لاستجابة الطفل لحديث الأطفال. فحاولوا معرفة السبب وراء ضعف الاستجابة وخلصوا إلى أن التفضيل السلوكي المنخفض بشكل ملحوظ للأمومية في التوحد مرتبط بالتطور المعاق للأنظمة القشرية الصدغية التي تستجيب عادةً للخطاب العاطفي الأبوي. قد يكون لهذا أيضًا عواقب طويلة المدى عندما «لا ينصت» الأطفال.
اضطراب طيف التوحد ومشكلات الاهتمام الاجتماعي
من المعروف أن الاستجابة المنخفضة للمعلومات الاجتماعية علامة مبكرة على اضطراب طيف التوحد لدى الأطفال لأنهم يواجهون تحديات في الحفاظ على الاهتمام بالمعلومات الاجتماعية بشكل عام. في الدراسة الجديدة ، قام باحثون في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو بتضمين بعض التقنيات لتسليط الضوء على مناطق الدماغ المسؤولة عن استجابة الطفل لحديث الأطفال.
قال المؤلف الرئيسي للدراسة، د. إريك كورشيسن، أستاذ علم الأعصاب في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، إن النهج المستخدم في هذه الدراسة يولد رؤًى جديدة حول نمو الدماغ لدى الأطفال المصابين بالتوحد، فيما يتعلق بالمعلومات الموضوعية حول التفضيل الاجتماعي والاهتمام الاجتماعي. وأضاف: «للمرة الأولى، نرى التأثير المحتمل في الدماغ للأطفال المصابين بالتوحد الذين يفشلون في الاهتمام بالمعلومات الاجتماعية».
افترض فريق البحث أن الأطفال الذين يعانون اضطراب طيف التوحد يعانون إعاقة في تطور الآليات العصبية المدفوعة بالفطرة والتي تستجيب للأمومية. لذلك، عملوا على قياس الاستجابات العصبية للخطاب العاطفي المعتدل والأمومية.
تنمية اللغة والاستجابة للأمومية
وجد الباحثون صلة بين التطور الاجتماعي واللغوي في سن مبكرة واستجابات الطفل العصبية للكلام. وهذا يعني أن الأطفال الدارجين الذين يعانون اضطراب طيف التوحد والأطفال الصغار الذين يعانون من أفقر الاستجابات العصبية للأمومية أظهروا أيضًا أسوأ نتائج الفقر اللغوي إلى جانب أكبر ضعف في التفضيل السلوكي والانتباه تجاه هذا النوع من الكلام. من ناحية أخرى، أظهر الصغار الناميون بشكل نموذجي أقوى استجابات عصبية وتقارب للأمومية.
علاوة على ذلك، عندما حقق الباحثون في العلاقة بين أنماط نظرة العين والاستجابات العصبية والسلوكية، تأكدت نتائجهم السابقة. ووجدوا أن القشرة الصدغية العلوية، وهي منطقة من الدماغ تعالج الأصوات واللغة، تستجيب بشكل أضعف للأمومية في أطفال اضطراب طيف التوحد، الذين لديهم أيضًا أفقر القدرات الاجتماعية وأقل اهتمام بتتبع العين للأمومية.
قالت المؤلفة المشاركة في الدراسة، د. كارين بيرس، أستاذة علوم الأعصاب في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو والمدير المشارك لمركز التميز للتوحد مع كورشيسن: «استنتاجنا هو أن عدم وجود انتباه سلوكي لحديث الأمومية في اضطراب طيف التوحد يتعلق بإعاقة تطور الأنظمة القشرية الصدغية الفطرية، التي تقليديًّا تستجيب تلقائيًّا للحديث الأبوي العاطفي».
أخيرًا، أشار الفريق إلى أن هذه النتائج يمكن أن تكون مفيدة في تطوير مزيد من أدوات التشخيص والعلامات الحيوية للتعرف المبكر على اضطراب طيف التوحد. كذلك سيكون مفيدًا في زيادة توضيح كيفية تأثير اضطراب طيف التوحد بشكل كبير في الأطفال الدارجين بطرق مختلفة.
مراجع