بقلم: آلاء عمارة
بدأ البشر ملاحظة تأثيرات التغيرات الحاصلة في البيئة المحيطة على صحتهم الجسدية منذ زمن طويل، ومع تفاقم ظاهرة الاحترار العالمي وتأثر أهل الأرض بالحرارة المرتفعة، امتد هذا التأثير إلى صحتهم النفسية. وهذا ما أكده التقرير الصادر عن «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» (IPCC) في عام 2022، إذ أشار إلى وجود علاقة وثيقة بين تغير المناخ والصحة النفسية، الأمر الذي يُعيق الحياة اليومية لملايين البشر حول العالم.
أشكال متعددة
قد يتسبب تغير المناخ في رفع متوسط درجة الحرارة العالمية أو خفضها؛ وفي عصرنا هذا نواجه الحرارة المرتفعة، ولذلك نطلق عليه اسم «عصر الاحترار العالمي». في يوليو 2023، أوضح أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أننا صرنا في «عصر الغليان العالمي» نتيجة الارتفاع الهائل في درجات الحرارة الذي يشهده العالم مؤخرًا. وتتسبب الحرارة المرتفعة في زيادة نسبة الاضطرابات النفسية، ويأتي ذلك نتيجة عدة أسباب مباشرة أو غير مباشرة، منها:
- انتشار الأمراض المعدية
يساعد تغير المناخ على إيقاظ الأمراض وانتشارها في جميع أنحاء العالم، مثل: الملاريا وحمى الضنك. ويصاب الإنسان بهذه الأمراض الخطيرة التي تتسبب في أعراض جسدية متعبة، بل ويمتد أثرها إلى صحته النفسية، إذ يتعرض الشخص المصاب إلى ضغوط نفسية عند تعايشه مع المرض.
- تلوث الهواء
يتسبب تغير المناخ في زيادة مستوى الملوثات بالهواء، فتقل جودته؛ مما يؤثر على صحة الدماغ بالسلب، ويزيد من مستويات التوتر والقلق، فضلًا عن التسبب في أمراض جسدية عديدة.
- الظواهر الجوية القاسية
يتسبب تغير المناخ في ظهور بعض الظواهر الجوية القاسية، مثل الفيضانات والأعاصير والجفاف والأمطار الغزيرة؛ الأمر الذي قد يتسبب في التعرض إلى إصابات خطيرة أو الوفاة. وهذه الأحداث بما تحمله من ضغوط نفسية تُؤثر سلبًا على الصحة النفسية؛ فقد يُصاب من يتعرض لها باضطراب ما بعد الصدمة أو الاكتئاب، أو التشرد، أو فقدان الوظيفة، أو ضعف الإمداد الغذائي.
فئات أكثر تعرضًا
توجد فئات أكثر تعرضًا لتغير المناخ من غيرها، ومنها:
- من يعانون بالفعل من أمراض نفسية، إذ تتطور حالاتهم مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة.
- أصحاب البشرة السمراء الذين يعيشون غالبًا في مناطق ذات درجات حرارة مرتفعة ويزداد فيها التلوث، فيصبحون في مواجهة الخطر.
- السكان الأصليون لبعض المناطق الذين قد يضطروا إلى النزوح بسبب تغير المناخ، وهذا الأمر مؤذي لصحتهم النفسية بسبب تعلقهم الشديد بأراضيهم.
- كبار السن، لأنهم معرضون للعزلة الاجتماعية أكثر من غيرهم.
حنين وقلق وحزن
أدى تفاقم آثار تغير المناخي إلى ارتباط مشاعر الإنسان بالبيئة، فظهرت مصطلحات جديدة، مثل:
● سولاستالجيا Solastalgia: على وزن كلمة نوستالجيا أو الحنين إلى الماضي، ولكنها تعني الحنين إلى البيئة القديمة، والشعور بالضيق نتيجة تغيرات في البيئة المحيطة.
● القلق البيئي: قلق نتيجة تغير المناخ والعواقب المستقبلية التي تنتظر البشرية.
● الحزن البيئي: الحزن الذي يسيطر على بعض الأشخاص لفقد أجزاء معينة من بيئتهم المحيطة أو لحدوث تغيرات طارئة فيها بسبب تغير المناخ.
هل يوجد اهتمام فعلي؟
مسألة ربط الصحة النفسية بالتغيرات المناخية حديثة نوعًا ما، ولا تهتم بها دول كثيرة. ففي عام 2021، أجرت منظمة الصحة العالمية (WHO) دراسة استقصائية، شملت 95 دولة لبحث مدى تقدم الحكومات في مجال الصحة. فوجدت أن تسعة دول فقط اهتمت بوضع الصحة النفسية ضمن خططها الوطنية المتعلقة بالصحة وتغير المناخ.
على الرغم من الآثار السلبية لتغير المناخ على الصحة النفسية، إلا أن كثيرون لا يُدركون وجود رابط بينهما. ربما يحتاج البشر لبعض الحملات التوعوية لنشر الوعي البيئي الصحي بينهم، ودفعهم لطلب المساعدة من متخصصي الرعاية الصحية النفسية.