تحديات تبسيط العلوم


بقلم: سهام الشريف

 

في الآونة الأخيرة، ازداد الاهتمام بتبسيط العلوم للجمهور، وأصبح ضرورة ملحة لفهم ما يدور حولنا. فبعد أزمة جائحة كوفيد-19، اتضحت أهمية تبسيط العلوم في توعية الرأي العام بالمعلومات الصحية والإجراءات الوقائية للحماية من المرض. ومن خلال مُبسطي العلوم استطاع الناس معرفة طرق انتشار الفيروس، والفروقات بين اللقاحات المختلفة، وآليات عمل اللقاحات الجديدة.

وفي أوقات الكوارث –مثل الزلازل والأعاصير– ينتظر الناس ما يقوله المتخصصين عنها؛ فيتعلمون بعضًا من علوم الطقس والمناخ. كذلك الأمر بخصوص الذكاء الاصطناعي والضجة التي أحدثها تطبيق ChatGPT، يحتاج الناس إلى إجابة تساؤلاتهم حول تطور الذكاء الاصطناعي وهل سيقضي على وظائفهم وأسئلة أخرى كثيرة تدور في أذهانهم. فمن الذي سيجيب عن جميع هذه التساؤلات؟ إنهم مُبسطو العلوم، سواءً كانوا علماء أو باحثين أو متخصصين أو كُتاب أو صحفيين علميين.

تبسيط العلوم للجمهور ليس أمرًا سهلًا، فهناك بعض الموضوعات الشائكة التي هي محل جدال. وفي بعض الأحيان تؤثر الآراء السياسية والاقتصادية في القضايا العلمية؛ فتظهر مشكلة فقدان الثقة في العلم، وغيرها من التحديات التي تواجه الإعلام العلمي. وما سنتناوله في هذا المقال هو تحديات تبسيط العلوم.

أهمية العلوم في حياتنا

لا شك أن العلم هو أساس نهضة الأمم، وتعتمد التقنيات الحديثة في جميع المجالات على تطور فهمنا للعلوم مثل الفيزياء والأحياء والرياضيات وغيرها؛ ولكن هل يفهم رجل الشارع أهمية العلوم في حياته. في إحصائية صادرة من إحدى الجهات في كندا، وجدوا أن من بين كل عشرة كنديين أربعة فقط يدركون مدى أهمية العلوم في حياة الإنسان؛ وتعد هذه النسبة قليلة في بلد من البلاد المتقدمة، فما بالك بالدول النامية، لذا يظهر جليًّا مدى أهمية تبسيط العلوم للجمهور.

تكمن أهمية تبسيط العلوم في توعية الجمهور وزيادة المعرفة العلمية ليفهم العالم من حوله بطريقة سهلة وبسيطة. ولكي يكون الناس على وعي عند اتخاذ القرارات التي تتطلب استخدامًا للحلول العلمية أو عند اتخاذ قرار يخص القضايا البيئية مثل الاحتباس الحراري.

أزمة فقدان الثقة

من التحديات التي تواجه مُبسطو العلوم فقدان الثقة في العلماء أو العلوم؛ فبناء الثقة مع الجمهور أكثر أهمية من الحقائق والمعلومات. ويرجع فقدان الثقة إلى عدة أسباب، منها تسييس العلم وهو ما يحدث في بعض الدول. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تؤثر الآراء السياسية في ثقة الجمهور في العلوم.

ومن أكثر الموضوعات العلمية التي كانت محل نقاش في الأوساط السياسية تلك التي تخص إجراءات الحماية من فيروس كوفيد-19، مثل وضع الكمامات وأخذ اللقاحات. ووفقا لتقرير صادر من الولايات المتحدة الأمريكية، فقد قلَّت الثقة في العلماء في الفترة بين نوفمبر 2020 وديسمبر 2021 بنسبة ى 7%. وفي كندا، زادت نسبة التشكيك في العلوم، إذ فقد 32% من البالغين الثقة فيها.

وقد تلقى الرسالة العلمية مقاومة من الجمهور لأسباب دينية، مثلما هو الحال في نظريات الانتخاب الطبيعي والانفجار العظيم، أو لأسباب اجتماعية مثل الحركات المضادة اللقاحات، أو سياسية اقتصادية مثل الاحتباس الحراري.

من أسباب فقدان الثقة في العلماء شعور الجمهور بأن العلماء طبقة من النخبة، يجلسون في برجهم العاجي منعزلين في مختبراتهم العلمية، لا يدركون قضايا المجتمع. وحل هذه المشكلة يكون عبر انخراط العلماء في المجتمع ومحاورة الناس في الأماكن العامة، مثل المطاعم ومحطات البنزين. وعلى العلماء أن يدركوا قيم المجتمع وعاداته وأن يكونوا جزءا أصيلًا منه؛ وهكذا يثق الجمهور فيهم وفيما يقولون.

ومن الأمور التي تقلل من رصيد الثقة المبالغة في وصف الإنجازات العلمية ونتائج الأبحاث الحديثة. فيجب توضيح أن الأبحاث دراسات قابلة للنقد، وأن كل دراسة لها أوجه قصور مختلفة. ويجب الاعتراف بجهود العلماء المنافسين والسابقين.

لتعزيز الثقة في العلوم يجب العمل على ثلاثة محاور: المحور الأول هو الشفافية، وذلك عبر نشر البيانات والمعلومات الخاصة بالأبحاث ونتائجها، في الوقت المناسب، وتوضيح أنه لا يوجد يقين في العلم، فقد يُخطئ العلماء أو يتضح فيما بعد عدم صحة بعض النظريات. ويتضمن المحور الثاني: الأمانة في ذكر المعلومات والحقائق وذكر أوجه القصور. أما المحور الثالث فهو خاص بتحمل المسئولية، أي يعني تقبل النقد والاعتراف بالخطأ ومتابعة ردود الأفعال وذكر التحديثات الخاصة بالأبحاث التي نوقشت من قبل.

ومن النصائح المفيدة في كسب ثقة الجمهور: معرفة الجمهور حق المعرفة، واختيار اللغة المناسبة له، مع تبسيط لغة الحوار وتقليل استخدام المصطلحات. ويساعد استخدام لغة الأمثلة والتشبيهات وكذلك استخدام الصور على توصيل الرسالة الأساسية بسهولة. وعلى مُبسط العلوم ألا يجعل رسالته للجمهور موجهة تجاه أمر بعينه؛ فعلى سبيل المثال، فيما يخص موضوع اللقاحات، على مُبسط العلوم ألا يوجه حديثه إلى المؤيدين أو الرافضين فقط، ولكن يضع في اعتباره أن هناك أناسًا في المنطقة الوسط غير متأكدين من قرارهم، فقد يتخوف بعض الناس من الآثار الجانبية أو يشككون في اتباع قواعد السلامة الصحية عند التطعيم.

المعلومات المغلوطة والتضليل

من تحديات تبسيط العلوم المعلومات المغلوطة والمضللة، وهناك فرق بينهما. ففي حين أن كلاهما؛ معلومات خاطئة، ولكن التضليل يكون متعمدًاً لتحقيق أهداف معينة.

تتداول المعلومات المغلوطة بكثرة بسبب غياب المعلومات الصحيحة، كما أن المعلومات المغلوطة تكون بلغة واضحة وخالية من التعقيدات، وهو ما يُسهل انتشارها. ومن أمثلتها تداول علاجات لكوفيد-19 لم تثبت فعاليتها علميًّا. ورغم أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في أوقات الكوارث والأزمات له فوائد عدة، لكنه يحمل خطر انتشار المعلومات المغلوطة ويثير القلق بين الناس؛ لأن باستطاعة أي شخص نشر ما يريد. لذلك، تحدثنا أعلاه عن أهمية بناء الثقة والمصداقية بين العلماء والجمهور، ليوجه الناس أنظارهم ومسامعهم إلى العلماء في أوقات الأزمات.

إذا انتشرت معلومة مغلوطة، فيبقى الأمر محيرًا: هل نتحدث عنها أم أن ذلك سيروج لها؟ ولتحديد ذلك يجب الإجابة عن الأسئلة التالية، أولًا، هل تمثل خطرًا كبيرًا على المجتمع أو تحمل ضررًا له (مثل خطر على الصحة العامة أو السلم العام أو البيئة)؟ هل يوجد رد علمي مستند على الأبحاث الموثوقة؟ هل يمكن الرد على هذا الادعاء بالأدلة العلمية؟ هل يمكن تصحيح عدم دقة المعلومات دون تضخيمها ونشرها بشكل أوسع (فإذا كانت المعلومات المغلوطة قد نشرت على نطاق محدود، فقد تؤدي الإشارة إليها إلى ترويجها)؟ فإذا كانت إجابة جميع الأسئلة بالإيجاب، إذًا يجب العمل على تصحيح هذه المعلومة، على أن يتم تتبع مصدرها وفهم الغرض من ورائها.

سوء الفهم

من تحديات تبسيط العلوم سوء الفهم؛ فسوء الفهم قد ينتج عن عدم الدقة في سرد المعلومة. فمثلًا، كان من الخطأ القول في أثناء أزمة كوفيد-19 أن وضع الكمامات يقي من الإصابة بالفيروس، ولكن توضيح أنها تساعد على الحماية منه، ولكنها لا تنفي احتمالية حدوث الإصابة. إذًا فمن الضروري معرفة كيفية صياغة الرسالة بالطريقة الصحيحة.

هناك تجربة للمختبر الأوروبي لأبحاث فيزياء الجسيمات «سيرن» في حل مشكلة سوء الفهم. إذ اعتقد بعضٌ أن مصادم الهدرونات العملاق يهدد حياة البشر على الكوكب ﻷنه قد يسبب ثقبًا أسود، ومن ثم ينتهي العالم. لم يكن رد فعل «سيرن» حينها تكذيب هذا الاعتقاد أو نفيه، وإنما وجدوا فيه فرصة لتوضيح نظام الأمان والتعريف بالثقوب السوداء، وهذا أدى إلى فتح باب النقاش حول نظرية التناظر الفائق.

في نهاية المقال، نختم برؤية ماسيميانو بوكى Massimiano Bucchi المتعلقة بتبسيط العلوم، وهو أستاذ في جامعة ترينتو بإيطاليا يهتم بدراسة العلاقة بين العلم والمجتمع. فأولًا، ينصح ماسيميانو بوكى مبسطي العلوم بالتوسع في قراءة تاريخ العلوم وعلم الاجتماع وعلم النفس والأدب. ويرى أن من أهم تحديات التواصل العلمي تقديم محتوى بجودة عالية للجمهور، ويناقش كيفية تحسين جودة المحتوى، وكيفية التمييز بين المحتوى الجيد وغير الجيد، وكيفية تحقيق الهدف الأسمى من تبسيط العلوم، وهو بناء الوعي. وعلينا أن نعلم أن تبسيط العلوم ليس بأمر ارتجالي، وإنما يجب أن توضع له خطة طويلة الأجل.

 


المراجع