بقلم: ميشيل أنطوان وأنطونيو جوميز دا كوستا
نُشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية تحت عنوان A Moonshot for the Palais de la Découverte في عدد سبتمبر-أكتوبر 2019 من مجلة «دايمنشنز» Dimensions التي تصدرها جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC. قامت رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط NAMES بترجمة المقال ونشره باللغة العربية بتصريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ومن المؤلف/المؤلفين، وتتحمل NAMES مسئولية هذه الترجمة.
لا يجوز إعادة إنتاج هذا المحتوى، سواء بالإنجليزية أو العربية، بأي شكل من الأشكال، دون إذن كتابي صريح من جمعية مراكز العلوم والتكنولوجيا ASTC.
سينشئ تجديد قصر الاستكشاف «Palais de la Découverte» في قلب باريس، وهو جزء من تحديثات القصر الكبير «Grand Palais»، مشروعًا ثقافيًّا بالغ الأهمية. فسيحول التجديد القصر إلى مركز للحوار بين البحث العلمي والمواطنين، وسيجمع بين الفن والعلم – بوصفهما عنصرين رئيسيين للثقافة المعاصرة – بطريقة غير مسبوقة في فرنسا، ليتيح فرصًا عدة للتواصل الفكري بين هذين المجالين الإبداعيين، وكذلك سيجذب مزيجًا واسعًا من الجماهير.
يستمتع الشباب بعرض عن الرياضيات في غرفة باي
بقصر الاستكشاف. تصوير ن. كريف.
|
أسس جان بيرين الحائز جائزة نوبل قصر الاستكشاف عام 1937، وقد أنشأه لمعرض باريس الدولي، الذي كُرس للفنون والصناعة. في البداية كان القصر معرضًا مؤقتًا، ولكن نجاحه كان من الكبر أن أدى إلى أن يصبح دائمًا في عام 1938. ومنذ البداية، جسَّد مفهومًا أساسيًّا؛ فلم يكن متحفًا لأغراض العلم والتكنولوجيا التي سرعان ما ستصبح قديمة، بل مكانًا للابتكار العلمي حيث تفُتح أبواب المختبر للجمهور ويشارك العلماء الزوار في تجارب حقيقية. فعرض الخبراء المدربون آلات رائعة وإنجازات علمية مذهلة، مثل عرض الكهرباء الساكنة الذي أصبح رمزًا للمؤسسة؛ وقد أدى هذا المثال المبكر للعلم التشاركي دورًا أساسيًّا في تعريف الجمهور العام بالعلم.
إلا أنه مع مرور السنين تدهور المبنى الذي احتوى قصر الاستكشاف بالقصر الكبير إلى حدٍّ كبير؛ فأصبحت المعروضات قديمة، والإتاحة أقل من المعايير الحالية، وعندما تهطل الأمطار بغزارة، تتسرب الرطوبة إلى الغرف. وهكذا، فهناك حاجة ملحة لتجديد هذا الصرح القديم، ومن المقرر أن تبدأ أعمال التجديد الواسعة في عام 2020، ومن المقرر أن يفتح قصر الاستكشاف الجديد أبوابه بحلول عام 2024.
مشروع متحف قصر الاستكشاف المستقبلي هو نتيجة لنهج تعاوني يضم زملاء العمل والشركاء من عوالم العلم، والفن، والمتاحف. فأثناء النصف الأول من عام 2017، أتاحت ورش العمل التشاركية فرصة إشراك ما يقرب من 100 موظف في التفكير الأولي من أجل تحديد الخصائص الأساسية للمؤسسة وكذلك طرق التحسين؛ كما حددت ورش العمل أيضًا مسارات إبداعية، مثل تخيل القصر في عام 2050. وقد ساهم الإطار العام الذي نشأ، والذي أثرته الأفكار والمقترحات من الاجتماعات مع مختلف الخبراء العلميين، والرقميين، والفنيين، والمتحفيين في تطوير المبادئ المفاهيمية التوجيهية. من ثم، راجع أصحاب المصلحة وناقشوا هذه الإرشادات التي حسنتها أفكارهم بشكلٍ كبير. وقد ناقش موظفو أونيفيرسيونس «Universcience» بعض الجوانب المحددة للمشروع، التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة (مثل: تحديث التكنولوجيا الرقمية، واستخدام أشكال جديدة للعرض، وتمثيل تراث قصر الاستكشاف وإدارته، وتصور قصر الاستكشاف في عام 2024) في«مجموعات ذات اهتمامات مشتركة». فضمت تلك المجموعات ما يقرب من 150 متعاونًا قدموا توصيات عديدة دمجت في المشروع النهائي؛ونتيجة لذلك، حتى لو بقيت بعض الاعتراضات المفهومة والصحية قائمة، سيحظى المشروع بدعم واسع من المجتمع العلمي، والمجتمع المتحفي، وطاقم عمل أونيفيرسيونس.
|
XYZT، تجربة رقمية عرضت بقصر الاستكشاف
في عام 2015. تصوير ف. جيلاوي.
|
سيتيح لنا إعادة مبنى قصر الاستكشاف المتهالك إلى سابق رونقه الفرصة لإعادة ابتكار أنفسنا، والتفكير في ما يمكن أن يقدمه القصر للزوار في المستقبل، كي يعكس البناء بشكل أفضل تطور الجماهير وممارساتها الثقافية، ويعالج التحديات الجديدة في التواصل العلمي وتحولات البحث العلمي. ومن ثم، يكمن التحدي في التطور، مع الحفاظ في الوقت نفسه على روح القصر وسحره الذي يتعلق به الجمهور والعلماء بشدة.
سيركز قصر الاستكشاف الجديد على وجهات نظر متعددة للعلم المعاصر: بصفته كيانًا معرفيَّا يسمح للزوار بالوصول إلى المفاهيم الأساسية لمختلف المجالات العلمية؛ وبصفته مشروعًا عالميًّا وديناميكيًّا يوضح الطريقة التي يُدار بها العلم اليوم كنهج جماعي ودولي متعدد التخصصات في كثير من الأحيان؛ وبصفته وسيلة خاصة وناقلًا ثقافيًّا حقيقيًّا لفهم العالم من حولنا، والاعتماد على الحقائق عوضًا عن الانصياع للسلطة، وحرية الطعن في مزاعم الأخبار المزيفة، والقدرة على التغلب على عدم الثقة في الخبرة. فمن خلال تقديم النهج العلمي وعمليات الاستكشاف، سيشجع القصر الجديد الزوار على تطوير مهارات التفكير النقدي الخاصة بهم بالتعاون مع المجتمع العلمي.
ليس هناك شك في أن المفسرين هم روح قصر الاستكشاف؛ فتسمح العروض التوضيحية وورش العمل التي يقدمها مُوصلو العلوم للزوار بالمشاركة في العلوم بطريقة تفاعلية وتواصلية. وستُعزَّز الممارسات الحالية، التي تركز بشكل أساسي على العروض التوضيحية الرائعة أو العروض التقديمية، على الطاولة من خلال نُهج جديدة. بالفعل، طُورت بعض تلك النُهج واختُبرت في مكان آخر؛ ومنها الأنشطة القائمة على الاستفسار أو ألعاب المناقشة، أو الأنشطة المفتوحة، والتجارب باستخدام الواقع المعزز.
بهو مدخل قصر الاستكشاف. تصوير ف. كاسترو.
لطالما تعارض نهجنا بشكلٍ صارخ مع نموذج العجز؛ فهو يتبنى الاستكشاف التشاركي، ولكننا الآن نتصور نموذجًا جديدًا كليًّا. ففي نموذج العجز الذي عفا عليه الزمن، كان يُعتقد أن النقص العام في المشاركة مع العلم ناجم عن افتقار الجمهور إلى المعرفة العلمية الأساسية؛ ويتضح الآن أن تلك ليست المشكلة، فالمواطنون يتمتعون بسهولة الوصول إلى المعلومات العلمية العامة وحتى المتخصصة، التي تتزايد كميتها بمعدل مذهل. نعتقد أن دورنا هو دعم هذه المعلومات الوفيرة، بل وتنظيمها أيضًا؛ على سبيل المثال: من خلال المساعدة في التأكد من أصلها، وأهميتها، ودقتها؛ وكذلك تضمين جماهير جديدة، وتسهيل التواصل مع العلماء والباحثين الحقيقيين، وتسليط الضوء على حدود العلم من خلال أسئلتهم غير المجابة بعد. فمن المهم نقل التواصل العلمي من عملية تهدف إلى تسهيل تعلم المفاهيم العلمية إلى عملية قادرة على جعل المواطنين يستخدمون المفاهيم العلمية للإجابة على أسئلتهم الخاصة، وأن يكونوا فاعلين مسئولين في عالم يجب أن يعتمد على العلم والابتكار التكنولوجي لتحقيق الاستدامة والرفاهية الاجتماعية.
ستُطور هذه النهج الجديدة لأنشطة التواصل العلمي، وتُختبر، وتُقيم في قصر الاستكشاف الجديد؛ وكجزء من جهد دائم لتحسين التفسير والتيسير العلمي وتحديثهما، سيكون القصر بمثابة حاضنة لتطوير التواصل العلمي. بالعمل مع مختلف الجماهير ذات الكفاءات المختلفة، سنشارك في وضع عمليات تمكننا من تكييف اقتراحاتنا مع تطور الجماهير، وإلى الإيقاع المستدام للتقدم العلمي، وإلى العلاقة المتغيرة بين العلم والمجتمع. وفيما يتعلق بهذه النقطة، ينبغي تبديد سوء فهم شائع للغاية في عملية التصميم المشترك على الفور؛ فهو ليس مسألة سؤال الجمهور ما ينبغي أن نوصله وكيف، بل بالأحرى تعزيز معرفة الزوار المحددة بمجالات معينة، وأساليبهم في حلها، وتوقعاتهم، ثم اقتراح سبل للتفاعل مع المفاهيم العلمية من خلال الحوار وتتابع التكرارات.
رسم فنان لقصر الاستكشاف من الداخل عام 2014. حقوق التصوير: فرانسوا شات.
سيُنشأ كذلك مركز للبحوث في مجال التواصل العلمي، وهو دليل إضافي على الأهمية التي توليها المؤسسة لهذا الموضوع؛ فهدفنا هو تطبيق الدقة المنهجية للعلم على أنفسنا. ونقترح دراسة أساليبنا وتحليلها؛ لتقييم مدى أهميتها وفاعليتها في توصيل العلم.
هكذا ستشهد المؤسسة تحولًا بسيطًا في مركز ثقلها؛ ففي عام 2024، لن يجد زوار قصر الاستكشاف قاعات عرض كبيرة؛ إذ سيكمن جوهر التجربة في المختبرات، وورش العمل، وغرف التجارب، ومساحات المناقشة، وغيرها؛ ما سيجعل الزائرين على اتصال مع موصلي العلوم أو الباحثين (الموجودين فعليًّا أو عن بُعد). سيُطور وسيط المعرض المفيد جدًّا للاستكشاف الذاتي في صورة عدد كبير جدًّا من الجزر الصغيرة التي تبلغ مساحة كل منها حوالي عشرين مترًا مربعًا (215 قدمًا مربعًا)، وستكون مثبتة في الفضاء بطريقة تخللية تدعم التواصل العلمي، وتكمله أو تواجهه.
بذات الروح، سيُكلف فنانون وعلماء ناشئون بإنتاج الأعمال الفنية؛ حيث سيحاولون جعل أسئلة البحث والموضوعات التي تمثل أعظم الأسئلة لكل تخصص في الوقت الحالي، والتي لم تغطها الأبحاث بعد، ملموسة. بهذا نريد إحداث توتر بين الاكتشافات السابقة وتحديات البحث المعاصر؛ فعلامات الاستفهام تلك يمكنها أن تكون؛ على سبيل المثال: علم الوراثة في علوم الحياة، أو المادة المظلمة في الفيزياء الفلكية، أو التحكم بالجزيئات في الكيمياء.
سنقوم أيضًا بتغيير الطريقة التي ننظر بها إلى أنواع معينة من الجماهير، بما في ذلك الجمهور الراشد. فسيُعتبر قصر 2024 الراشدين شريحة جمهور مميزة؛ في الوقت الحالي، نادرًا ما تعتبر المراكز والمتاحف العلمية الراشدين المجموعة المستهدفة الرئيسية. وغالبًا ما يزورها الراشدون أعضاءً في مجموعة عائلية؛ حيث يقومون بدور المعلمين للصغار. ولكن الزائر الراشد قد يشعر بالغربة بسبب المعارض التي تستهدف الأطفال والعائلات، التي نادرًا ما تأخذ في الحسبان احتياجات البالغين وقدراتهم. مع ذلك، فإن العلاقة بين الكبار والعلم والتكنولوجيا أساسية في المجتمعات المعاصرة؛ فالراشدون هم الذين يجب عليهم مواجهة التحديات المتمثلة في عديد من قضايا الصحة العامة (التطعيم، والسكري، والسمنة، وما إلى ذلك)، ودفع الضرائب لتمويل البحوث العامة، ومن خلال تغيير عادات استهلاكهم يساهمون في الحفاظ على البيئة.
يشارك الزوار في ورشة عمل كيمياء بقصر الاستكشاف. تصوير: أرنو روبن.
عند إعادة فتح القصر في عام 2024، سيقدم قصر الاستكشاف وجهًا جديدًا كليًّا لزواره ولكنه لن يكون غير مألوفًا تمامًا. فسيحل محل التجاور الحالي بين المعارض والعروض التوضيحية الدائمة تجربة متكاملة؛ حيث تكمل عروض المتحف ومساحات المختبر بعضها بعضًا، وتحيي التفاعلات الغامرة أو المناقشات مع الباحثين المكان، معززةً التجربة الشاملة.
من شأن هذا التنوع في الأنشطة المتاحة للزوار في المتحف، وكذلك المحتوى والخبرات المتاحة على الموقع الإلكتروني للمتحف ومن خلال شبكاته الاجتماعية، أن يجعل قصر عام 2024 منزلاً حقيقيًّا للثقافة العلمية. فسيكون قصر الاستكشاف محور الحوار المفتوح بين البحوث العلمية والمواطنين، وهو حوار سيكون فيه البشر (الزوار، وأخصائيو التواصل العلمي، والباحثون) المحور الرئيسي.
ميشيل أنطوان (michele.antoine@universcience.fr)، مدير المعارض بأونيفيرسيونس في باريس.
أنطونيو جوميز دا كوستا (antonio.gomesdacosta@universcience.fr)، مدير الوساطة العلمية والتعليم بأونيفيرسيونس في باريس.