إعادة تشكيل المشهد المتحفي


  نظرة عميقة  

إعادة تشكيل المشهد المتحفي

كتبها:

إيف وينكين
المدير السابق

متحف الفنون والمواد
باريس، فرنسا

 

يناقش المدير السابق لمتحف الفنون والمواد الطرق التي
يجب أن تعمل بها المتاحف في بيئة سريعة التغير وغير متوقعة

 

| الوقت المُقدر للقراءة: 18 دقيقة

هذه المقالة منشورة في مجموعة مقالات سبوكس Spokes بعنوان
«مراكز العلوم ومتاحفها: الماضي – الحاضر – المستقبل»
Science centres and museums: past-present-future

 

نُشر في الأصل في OCIM بتاريخ 14 أبريل 2020

في مقابلة مع أدريان فرانكلين [1] نُشرت في عام 2001، وصفت باربارا كيرشينبلات-جيمبليت، أحد مؤسسي دراسات الأداء الأمريكية، المتحف كيفما يؤديه زواره: «في الليل، المتحف ليس أكثر من مبنى، وخزانات، ومعارض ... إن الزوار هم الذين يجعلون المتحف مؤسسة ثقافية «حية» من خلال وجودهم في المكان». إذًا ما الوضع اليوم، حيث جميع المتاحف مغلقة أمام الزوار ولكنها لا تزال متاحة افتراضيـًّا؟ هل هذا الوجود على الإنترنت كافٍ لأداءها، وفقًا لفهم باربرا كيرشنبلات جيمبليت للمفهوم؟

لا يهمني البحث عن إجابة بقدر ما يثير اهتمامي الوضع التجريبي الذي تجد المتاحف نفسها فيه اليوم. يبدو الأمر كما لو أن، في غضون أيام قليلة، تحقق حلم جورج هنري ريفيير للمتاحف والمختبرات، متجاوزًا كل توقعاته. فيمكننا الآن إجراء تجارب مباشرة من خلال التحكم في متغيرات معينة (لا يوجد جمهور، أو عدد قليل من العاملين أو لا يوجد عاملين)، ومراقبة الآخرين يتحركون ببطء (الضوء، الغبار)، والنظر في إدخال العناصر المحفزة ... قد نتذكر فيديو «الحراسة الليلية» Nightwatch لفرانسيس أليس (2005) لثعلب التقطته كاميرات المراقبة في الغرف المهجورة في معرض الصور الوطني بلندن. يتجول الحيوان الودود حوله ينظر إلى اللوحات، ويشم تحت المقاعد، ويهرول عبر المتحف كزائر عادي. يتساءل المرء ما إذا كان الحيوان المتجول كافيًا لأداء المتحف، للعودة لثانية إلى تحليل باربرا كيرشنبلات-جيمبليت ...

 

  لم يعد الأمر ببساطة تكافؤ عدد الزوار مع نجاح معرض ما.  

 

في ملاحظة أكثر جدية، ألا يمكن للمتحف دعوة راقص منفرد (إن لم تكن فرقة ملثمة ومتباعدة اجتماعيًّا) ليؤدي في المتحف، مما يسمح للمتحف بأن يؤدى؟ في الوقت الحاضر، يعد الرقص المتحفي من الأنواع المعترف بها، ولكن من المفهوم أن الجمهور الحالي يشكل جزءًا لا يتجزأ من الأداء. في السيناريو المقترح، لن يكون هناك سوى الراقص (الراقصين) وجهاز لالتقاط الصور والسماح ببث الأداء. ستكون التجربة جديرة بالاهتمام، لمواصلة هذا التفكير في الحدِّ الأدنى من الشروط المطلوبة لوجود متحف، والتساؤل على المدى الطويل، بعد فترة الإغلاق، عن ظهور المتاحف التي ستظل تجريبية في ممارساتها وتساهم بنشاط في إعادة تشكيل جذرية إلى حدِّ ما للمشهد المتحفي. قد يتساءل المرء حقًّا عما إذا كان فجر حقبة اتسمت بجائحة منتشرة ولكن دائمة لن يلزم مديري المتاحف الكبرى بمراجعة مقاييس الغرف، على وجه الخصوص، ومن ثم، التشكيك في أهمية المؤشر الكلاسيكي لأرقام الحضور. لا مزيد من الحشود المزدحمة أمام لوحة الموناليزا؛ لم يعد الأمر ببساطة تكافؤ عدد الزوار مع نجاح معرض ما لن يتعلق الأمر فقط بتحديد عدد الزوار المتزامنين، ولكن أيضًا التفكير بشكل مختلف حول وجودهم في المتحف؛ وهو وجود أبعد، ولكن أيضًا وجود أطول و«أكثر ثراءً». ضمن هذا الإطار يمكن للمتاحف التجريبية استكشاف طرق جديدة واقتراحها على متاحف أخرى. كيف تبني جوًّا من التأمل أو اليقظة؟ كيف نجعل الصمت حضورًا قويًّا (وليس مجرد نتيجة)؟ كيف نعمل مع الضوء، لأن ممارسة الغمر تصبح غير مقبولة بيئيًّا إلى الأبد؟ كيف يمكن تقييم المتحف باستخدام مؤشرات نوعية تأخذ في الاعتبار كلًّا من وزن التجربة الفردية و«صدى» (H. Rosa) للتجربة الجماعية؟

 

  لن تحاول المتاحف بعد الآن عمل كل شيء.  

 

إذا قبلنا فكرة أن المتاحف يجب أن تستجيب للقيود البيئية والوبائية الجديدة، فيمكننا تصور إعادة توزيع العمل بين المتاحف على غرار التطور الدولي للتعليم العالي: المؤسسات المولدة للمعرفة، التي ستكون مكرسة بشكل أساسي للحفاظ على تراثها ونموه من جانب، ومؤسسات نشر المعرفة، التي ستكرس بشكل أساسي لاستقبال جماهير متنوعة بشكل متزايد من ناحية أخرى. لم تعد جميع المتاحف تحاول عمل كل شيء. وبالتالي سيكون هناك ثلاثة أنواع من المتاحف: المتاحف التجريبية (التي سيكون لها قليل من التراث وقليل من الزوار، حتى تتمكن من تكريس نفسها لتجربة مناهج جديدة أو إعادة اكتشاف المفاهيم قصيرة العمر مثل المتاحف المفتوحة والمتاحف البيئية)، وما يسمى بالمتاحف المغلقة (التي يمكن أن تظل مغلقة أمام الجمهور لجزء من الأسبوع أو العام لتكريس نفسها لأبحاث التراث)، وما يسمى بالمتاحف المفتوحة (التي يمكن أن تحافظ على تراثها ولكنها تكرس كل جهودها للجمهور).

 

  ولكن ما الخيارات الأخرى الموجودة؟  

 

كنتيجة للقيود البيئية والوبائية الجديدة، فإن القيود الاقتصادية التي لا بد أن تنشأ ستؤدي أيضًا إلى إعادة تشكيل المشهد المتحفي يمكن استيعابها بشكل سلبي مع انخفاض الموارد العامة (الإغلاق الجزئي أو الكلي، الدمج، الاستحواذ من مجموعات خاصة، مبيعات الامتياز) أو، من ناحية أخرى، يمكن استباقها والتحكم فيها، على الأقل جزئيًّا. الفرضية البسيطة هي نقطة انطلاق جيدة (علاوة على ذلك، في الوضع التجريبي الحالي، يمكن للفرق تطوير سيناريوهات مختلفة على أساس هذا): دعنا نقول أن السلطات العامة تساهم الآن بنسبة 33٪ فقط من الميزانية ويجب على المتاحف إدارة ما تبقى. لن تفاجئ هذه الفرضية بعض المتاحف الإقليمية «الصغيرة»، التي تدير شؤونها بالفعل في ظل مثل هذه الظروف لفترة طويلة. ولكن في البداية، بالنسبة إلى المتاحف «الكبيرة»، سيكون مثل هذا الإطار غير مستدام. ومع ذلك، فهذه هي الطريقة التي تعلمت بها معظم المتاحف الإيطالية أو الهولندية، على سبيل المثال، العمل بمفردها وجمع الأموال من خلال الخصخصة والجهات الراعية والفعاليات ... ولكن ما الخيارات الأخرى الموجودة؟ كيف تظهر أن حل السوق ليس هو الحل الوحيد الممكن؟ ثلاثة طرق. بادئ ذي بدء، اقتراح إنشاء شبكات تضامن بين المؤسسات الثقافية الضعيفة، التي يمكن أن تصل إلى اندماج المتاحف والمسارح ودور الأوبرا ودور السينما المستقلة. سيكون الهدف هو تعميم الجماهير، وتبادل الخبرات (في السينوغرافيا على سبيل المثال) وتعزيز العلاقات مع المصفوفة الحضرية المجتمعية. ثانيًّا، إثارة اندماج المكتبات والأرشيف والمتاحف؛ حيثما أمكن ذلك، لا سيما داخل الجامعات. فطورت مكتبات الجامعات في السنوات الأخيرة خبرات جديدة في استقبال الجماهير ويمكن أيضًا تطبيق ذلك على المتاحف. وأخيرًا، لمراجعة التقسيم الكلاسيكي للاحتياطيات / التجميع الدائم / المعرض المؤقت، الذي أصبح مكلفًا للغاية على جميع المستويات. فيمكن فتح المحميات للزوار، ويمكن تجميع المعارض، ويمكن أن تكون المساحات المخصصة للمجموعة الدائمة متعددة الوظائف، وبالتالي تعظيم الموارد المتاحة مع تعزيز المسؤولية البيئية الجماعية.

التمرين المقترح هنا ليس مساهمة في خطاب علم الانهيار. على العكس من ذلك، فهو تسعى إلى تسخير الواقع الجديد الناشئ عن الإبداع المضاعف. ولا يمكن أن يقتصر هذا على زيادة افتراضية المتاحف. فقد أدى الإغلاق إلى تحويل المتاحف إلى ثقافة الصالون ويجب عليها الآن الخروج بسرعة من هذا لاستعادة المسؤوليات المتزايدة داخل المجتمع.

 


[1] Adrian Franklin, "Performing live: An interview with Barbara Kirshenblatt-Gimblett", Tourist Studies, 1/3, 2001, pp. 211-232. 

نشر إيف وينكين مؤخرًا إعادة اختراع المتاحف؟ (إصدارات MkF)

نُشر هذا المقال في الأصل في عدد رقم 189 كم La Lettre de l'Ocim (مايو-يونية 2020)، وترجمته لمجلة سبوكس ألكسندرا هورلبرجر، أعمال ALCT. يمكنك الإطلاع على النسخة الأصلية هنا.

 

أشخاص يلتقطون صورة الموناليزا مرتدية قناع وجه.

 


نُشر المقال الأصلي باللغة الإنجليزية في العدد رقم 64 (يونية، 2020) من مجلة «سبوكس» Spokes الإلكترونية التي تصدرها رابطة مراكز ومتاحف العلوم الأوروبية Ecsite تحت عنوان: «التطلع إلى الأمام» Looking Ahead، ويمكنكم الاشتراك مجانًا في مجلة «سبوكس» من هنا.

قامت رابطة المراكز العلمية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط NAMES بترجمة المقال ونشره باللغة العربية بتصريح من رابطة مراكز ومتاحف العلوم الأوروبية ومن المؤلف/المؤلفين، وتتحمل NAMES مسئولية هذه الترجمة.

لا يجوز إعادة إنتاج هذا المحتوى، سواء بالإنجليزية أو العربية، بأي شكل من الأشكال، دون الرجوع إلى رابطة مراكز ومتاحف العلوم الأوروبية Ecsite.