الكشف عن شبكات الدماغ التي تمكن الإنسان من المحادثة


بقلمإيناس عيسى

يعد التناوب على الوقت في المحادثة دون مقاطعة بعضنا بعض أمرًا أساسيًّا في الحفاظ على سلاسة المحادثة وإنهائها بشكل جيد. وفي حين يبدو الأمر وكأنه يحدث بشكل طبيعي، فإن أدمغتنا تقوم بعمل معقد لتحقيق ذلك بشكل صحيح. 

يتطلب هذا العمل الشاق درجة ملحوظة من التنسيق لجعل الفجوة بين الدورات حوالي 200 مللي ثانية –مجرد رمشة عين. يشير ذلك إلى أن المتحدثين عادةً ما يخططون لاستجاباتهم أثناء الاستماع إلى شريك (شركاء) المحادثة. على الرغم من أن شبكة مناطق الدماغ قد شاركت في عملية تخطيط الكلام هذه، إلا أن الجزء العصبي الكامن وراء العمليات الأولية التي تمكن من تبادل الأدوار السريع ظل غامضًا.

دائرة الدماغ تشارك في المحادثات

في دراسة حديثة من كلية جروسمان للطب بجامعة نيويورك وجامعة أيوا نُشرت في دورية «نايتشر» Nature، حدد الباحثون دائرة الدماغ المميزة التي تصبح نشطة في أثناء تخطيطنا لردودنا المنطوقة في أثناء المحادثة. تلقي الدراسة الجديدة الضوء على الدائرة التي تتيح مثل هذه الردود السريعة، والتي يتم التخطيط لها قبل نهاية دور الشريك.

«تحدد دراستنا شبكات الدماغ وراء التخطيط الذي يجعل هذا الأمر ممكنًا، والذي كان بعيد المنال حتى الآن»، كما قال المؤلف الكبير د. مايكل لونج، أستاذ توماس وسوزان ميرفي لعلم الأعصاب وعلم وظائف الأعضاء في كلية جروسمان للطب بجامعة نيويورك.

تسليط الضوء على بقعة عمياء سابقًا

حاول الباحثون سابقًا ربط وظائف الكلام بشبكات الدماغ باستخدام مخططات كهربية الدماغ EEG، وهي اختبارات أو سجلات لنشاط الدماغ من خلال ربط أجهزة استشعار صغيرة بفروة الرأس لالتقاط الإشارات الكهربائية التي ينتجها الدماغ. ومع ذلك، لم يتمكن من تحديد موقع الدوائر العصبية بدقة كافية أو التقاط أنماط النشاط المتعلقة بتخطيط المحادثة للردود.

هناك تقنية أخرى استخدمت، ولكنها لم تتوصل إلى نتائج مميزة، وهي تخطيط كهربية القشرة ECoG، وهي تتضمن وضع أقطاب كهربائية مباشرة على سطح الدماغ. كشفت هذه الطريقة أن الدماغ يحقق محادثة طبيعية من خلال الجمع بين إدراك ما يسمع وتخطيط الرد وإنتاج الأصوات التي تتكون منها الكلمات.

وبالتالي، فإن هذه الدراسة الجديدة هي الأولى التي تلتقط نشاط الدماغ في أثناء مرحلة التخطيط للرد بينهما، والتي كانت أصعب جزء في الدراسة.

التجربة

يقول لونج: «يمكن للباحثين التحدث إلى المرضى ومشاهدة نشاط دوائر الدماغ في أثناء حديثهم أو الاستماع إليهم، إلا أن التخطيط ليس له علاقة جسدية. عندما دمجنا مقاييس تخطيط كهربية القشرة مع تقنية تطرح أسئلة منظمة على المرضى، كشفنا عن شبكة التخطيط الخفية».

في أثناء الدراسة، وضع الفريق أقطابًا كهربائية على أسطح دماغ المرضى في أثناء العمليات الجراحية التي تهدف إلى إزالة ورم أو أنسجة المخ التي تسبب نوبات الصرع. وضع الجراحون المرضى تحت التخدير الموضعي في البداية ليكونوا قادرين على تحديد مناطق الدماغ النشطة في أثناء حديث المريض لتجنب الإضرار بمراكز النطق الخاصة به. ثم استخدم الباحثون سلسلة من المهام الحركية لتوطين شبكة التخطيط التي تصبح نشطة عند تحضير الخطاب.

توضح النتائج أن الوحدات القشرية المنفصلة تؤدي وظائف محددة داخل شبكة اللغة في أثناء إنتاج الكلام التفاعلي. كذلك يشيرون إلى أن الاستجابات المتعلقة بالتخطيط في أثناء التفاعل تقتصر إلى حد كبير على الدائرة الأمامية الصدغية المتمركزة في التلفيف الجبهي السفلي الذيلي cIFG والتلفيف الجبهي الأوسط الذيلي cMFG.

مساعدة الأشخاص الذين يعانون مشكلات في النطق

يقول د. جريج كاستيلوتشي، زميل ما بعد الدكتوراه في مختبر لونج: «تقدم هذه الدراسة وصفًا أوليًّا لآليات الدماغ المحددة التي تولد اللغة بينما نتحدث في السياقات الطبيعية اليومية». وأضاف: «بشكل حاسم، رسم خرائط الدماغ الذي اكتشفناه باستخدام مهام بسيطة خاضعة للرقابة صمدت في اختبارات السلوك البشري الطبيعي».

وجد الباحثون أن هذا العمل واعد لتوجيه تصميم علاجات جديدة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الكلام، بما في ذلك أولئك الذين يعانون من تعذر الأداء، وصعوبة التخطيط لحركات الكلام، وفقدان القدرة على الكلام، وصعوبة معالجة اللغة، والتي يمكن أن تصاحب حالات مثل التوحد أو تنتج عن الصدمة الناجمة عن السكتة الدماغية.

 

مراجع

nature.com
nyulangone.org/news/study-reveals-brain-networks-enabling-human-conversation